القدود الحلبية تراث حلبي إلى العالم


على ألحانها ترعرعت أجيال متعاقبة وهي تتدرج على سلالمها الموسيقية وتتنقل على ايقاعاتها، ما إن تستمع إليها أو تذكرها حتى ترتسم في الاذهان قلعة حلب الشامخة ومدينتها العريقة حيث ارتبطت بحلب وعلِق صداها بحجارتها الشهباء وتردد في احيائها التي يُعرف عن أهلها اهتمامهم بالموسيقى وفنونها منذ القدم،، إنها القدود الحلبية تلك المنظومات الغنائية التي نشأت في جلسات ذكر وخرجت من الزوايا الصوفية فقد فُتن العامة بلحنها وموسيقاها ونفحاتها الوجدانية فأزاحوا الكلمات الدينية واستبدلوها بغزل شعبية مع المحافظة على الجرس الموسيقي الديني والعكس صحيح فقد وضع منشدون دينيون كلمات دينية على وزن وألحان كلمات شعبية لينشأ من هنا مصطلح “القد” اي بمقدار، والقدود لها نوعان أغنيات شعبية متوارثة عن الأجداد وجزء كبير منها لا يُعرف كاتبها أو ملحنها مثل” ربيتك زغيرون و عموري “وأخرى معروفة مثل” سيبوني ياناس” لسيد درويش اما النوع الثاني من القدود هو القد الموشّح الذي ارتبط بالموشحات من حيث الشكل الفني لكن بصياغة جديدة وهو مستوحى من الأناشيد الدينية المتداولة والاغاني التراثية والموشحات الاعجمية التركية والفارسية.
يقول الدارسون إن أقدم القدود الحلبية ظهر في عهد القس مارأفرام سنة ٣٠٦ الذي أدرج الحاناً دينية يألفها الناس في طقوس الأحد كما يعتبر ديوان الشاعر الحمصي /أمين الجندي /
(١٨٤١_١٧٦٦)أقدم وثيقة تاريخية لنشأة القدود حيث ظهرت معه في حمص ونقلها إلى حلب وانتشرت بعدها القدود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد أحمد عقيل وعمر البطش وصبري مدلل ثم ساهم في نشرها وتجديدها صباح فخري حيث كانت تُغنى القدود الحلبية ضمن حفلات الطرب والمناسبات العامة والخاصة وحفلات السمر الذي ارتبطت بثقافة حلب الشعبية ومنها انطلقت نحو آفاق أرحب لتحفظها القلوب قبل العقول وتحوز على شهرة كبيرة عربية وعالمية عبر بوابة اليونسكو حيث تم  خلال اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي إدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني في الخامس عشر من كانون الأول ٢٠٢١ ليضاف إلى التراث الإنساني العالمي جزءا من ثقافة وتراث المجتمع السوري العريق لتغدو القدود الحلبية مرآة لعمق واصالة الهوية الفنية السورية.
فن ظل راسخا وكأنه وليد اليوم وثروة فنية تضاف إلى رصيد حلب حتى تصدرها إلى العالم وتعكس عراقة واصالة هذه المدينة التي ما تزال تصدح طرباً متجاوزة كل الآلام لتنشر المحبة والسلام.

اعداد: مجد حيدر