ضحكات وأجواء محببة خلال قطاف الزيتون في ريف اللاذقية

مع بزوغ خيوط الشمس الأولى ليوم العطلة في شهر تشرين الأول وعلى خلاف المعتاد تكاد تخلو قرى ريف اللاذقية من سكانها وتتهادى إلى المسامع أصوات (العصي) على أغصان الزيتون في الحقول القريبة وتساقط حباتها على المفارش التي تغطي الأرض وضحكات الكبار والصغار من العائلات فيما العمال يتسامرون وفي السماء أعمدة الدخان المتصاعدة من مواقد الحطب.. طقس أساسي من الطقوس المرافقة لموسم قطاف الزيتون.

مشمراً عن يديه اللتين كانتا تتحركان بخفة تجمعان حبات الزيتون المتناثرة هنا وهناك جلس أبو آصف في ظل إحدى الأشجار ليستريح قليلاً ليتجمع حوله الأبناء والأحفاد بانتظار ما سيرويه لهم من ذكريات الماضي في مثل هذه الأيام المباركة إذ يستذكرون قصصاً ومواقف سبق أن رواها لكنهم لا يملون سماعها مراراً وتكراراً.

“لقطاف الزيتون عاداته وتقاليده التي تبدأ مع أمطار تشرين معلنة بدء موسم الخير والبركة والاجتماع الصباحي للأسرة للتوجه إلى كروم الزيتون المنتشرة على أطراف القرى” بهذه الكلمات بدأ الرجل الستيني حديثه لمراسلة سانا مشيراً إلى محاولة الآباء غرس حب الأرض وروح التعاون والعمل الجماعي وروابط الألفة والمحبة في نفوس الأبناء من خلال تشجيعهم على المشاركة في عملية القطاف.

وفي الصباح الباكر يبدأ الجميع بتجهيز المعدات من أعواد القصب والمفارش والسلل والأكياس بينما تعد النسوة (زوادة) الطعام مما يتوافر في المنازل من خبز وزيتون وزيت ومربى ومياه وخضراوات في صرة قماشية ليسهل حملها على الرؤوس.

المتقاعد إبراهيم بلال قال “لم تعد الحياة كالسابق لكن لا يزال لموسم قطاف الزيتون نكهته الخاصة وفرصة لإعادة لم شمل العائلات التي قلما تجتمع بسبب سفر أبنائهم أو الهموم التي أثقلت كاهل بعضهم جراء السعي وراء لقمة العيش كما أنها مناسبة جيدة لتعزيز الحياة الاجتماعية”.

بدورها بينت السيدة أم همام أن الجميع ينتظر قدوم شهر تشرين الأول بفارغ الصبر مع نفاد كميات الزيت والزيتون المخزنة من العام الماضي لتحضير مؤونة شتاء السنة القادمة من هاتين المادتين الأساسيتين على موائد السوريين لافتة إلى أن أجمل ما في أيام الزيتون هو الجزء الثاني من اليوم وبعد العودة من الحقل حيث تجتمع النسوة في ساحة الدار الكبيرة لفرز حبات الزيتون واختيار ما يصلح منها للتخليل بينما يسرد الرجال ما تبقى ويعيدون تعبئتها في الأكياس لتخزينها في المستودع حتى يحين موعد نقلها إلى معصرة القرية.

السيدة أم الليث أوضحت أنها كانت تعمل مع أسرتها قبل الزواج وهي الآن تتعاون مع زوجها وعائلته لجني المحصول مبينة أن الأجواء العائلية التي تسود خلال العمل لا تعوض حيث لا يشعرون بانقضاء الوقت فهناك من يلقي طرفة وآخر يستذكر موقفا مضحكا وفي الوقت الذي يحضر البعض زوادته هناك من يفضل إعداد الطعام على الحطب كهريسة القمح بالدجاج أو الطبق الشعبي الأبرز وهو البرغل بحمص مع الدجاج المسلوق إضافة إلى الشواء الذي يراه الكثير تقليداً مهماً بمثابة إعلان نهاية موسم القطاف أو ما يسمى (الخلاصة).

وعبر الطفلان محمد وشهد هيفا 12 و8 أعوام عن سعادتهما بمساعدة والديهما في جني محصول الزيتون إذ يمنحهما ذلك شعوراً رائعاً بالثقة بالنفس والقدرة على إنجاز ما يكلفون به من أعمال مهما بلغت درجة صعوبتها كأي فرد كبير بدعم وتشجيع محيطهما حيث يحصلان على مكافأة مجزية في نهاية اليوم تقديراً لجهودهما.