يبدو أن سقوط كابل بيد حركة طالبان أحيى الكثير من الأمل عند الجماعات المتطرفة في العالم خاصةً في سورية حيث تتمركز عدة منظمات إرهابية وأغلبها مصنف على قوائم الإرهاب العالمي وفي مقدمتها جبهة النصرة الإرهابية ” هيئة تحرير الشام” التي تسيطر عسكرياً على مدينة إدلب وريفها وأجزاء من ريف حلب الغربي إلى جانب فصائل قاعدية منفلته كحراس الدين، وجنود الشام القوقازية، والحزب الإسلامي التركستاني وأغلب عناصر هذه الفصائل من الأجانب وكلها تتبع للقاعدة، وأخرى سورية تدّعي الاعتدال لكن في أغلبها تحمل الفكر الإخواني أو القاعدي وتندرج في معظمها تحت راية “الجيش الوطني” الموالي لتركيا.
وتحظى جبهة النصرة بدعم بعض الدول الإقليمية ودعم واضح من تنظيم الإخوان المسلمين في سورية وحركة حماس الإخوانية في فلسطين ومما يُسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” في الدوحة، ومن هنا شاهدنا الابتهاج لدى أنصار هذه الحركة فور استيلاء طالبان على كابل باعتباره انتصاراً للإسلام الراديكالي الذي كان مرفوضاً حتى أمس ليس في المنطقة وإنما في العالم كله، حتى إن جماعة الإخوان المسلمين في سورية ومقرها إسطنبول باركت لطالبان استيلاءها على كابل، ومثلها فعلت حركة حماس ، وهذا يؤكد أن تنظيم الإخوان المسلمين يحمل العقيدة نفسها التي تحملها طالبان مع بعض الفوارق وهي أن طالبان وإن احتوت تنظيم القاعدة المنبثق من رحم عقيدة الإخوان المسلمين في أراضيها، إلا أنها ترفض القتال خارج حدود أفغانستان وهذا من أبرز العناوين الفارقة بين طالبان والقاعدة.
وهنا يبدو أن ما جرى في أفغانستان ما هو إلا بداية لما تخطط له الولايات المتحدة في سورية والمنطقة، فكلام الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن أفغانستان لم تعد تشكل خطراً على الولايات المتحدة وأن الخطر الأكبر يأتي من سورية وشرق إفريقيا، يؤكد أن أمريكا أصبحت تخطط لاستخدام التنظيمات الراديكالية في كل مكان وليس في أفغانستان فقط أي أنها انتقلت من مخطط “الربيع العربي” الذي كان الإخوان المسلمون أبرز أدواته إلى مرحلة جديدة متقدمة وهي التعامل مع التنظيمات الإرهابية ذاتها مع رفع صفة الإرهاب عنها كما فعلت مع طالبان في أفغانستان، وربما تفعل ذلك مع هيئة تحرير الشام في سورية، وهنا يكمن الخطر الأكبر في شرعنة المجموعات الإرهابية وإيصالها إلى الحكم من قبل من كان يصفها بالإرهاب ويحرك كل آلته الحربية والإعلامية لمحاربتها .
جدير ذكره أن الولايات المتحدة كانت قد صنفت جبهة النصرة كمنظمة إرهابية في ديسمبر/كانون الأول 2012، حيث قالت: “إن النصرة ما هي إلا استنساخ لتنظيم القاعدة في العراق” ليعلن بعدها أمير جبهة النصرة في سورية أبو محمد الجولاني في أبريل/ نيسان 2013 ما أسماه “البيعة” لقائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ويكشف العقيدة التي تتبعها “الجبهة”، لتعلن وزارة الخارجية الأميركية في عام 2017 عن مكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار في مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هوية الجولاني أو مكانه.
لكن نتيجة لاشتداد الضغوط على النصرة وفي محاولة منها للخروج من قائمة الإرهاب العالمي، ومطالبة روسيا لتركيا بفصل المعارضة المعتدلة في سورية عن المتطرفة بدأ الجولاني يروّج ألا علاقة لفصيله بالقاعدة وأن جبهة النصرة ليست إلا فصيلاً ثورياً سورياً معتدلاً، فغيّر اسمها من “جبهة النصرة” إلى “جبهة فتح الشام” ومن ثم إلى “هيئة تحرير الشام” حيث قام بالترويج أن الجبهة انفصلت عن القاعدة تماماً وهذا الترويج لم يمر إلا على الدهماء، ليلتقي بعدها في الأول من فبراير/شباط 2021 بالصحفي الأمريكي مارتن سميث، في إدلب مرتدياً لباساً شبه رسمي.
سميث وثق الزيارة واللقاء بقوله: “عدت للتو من زيارتي إلى إدلب التي استغرقت ثلاثة أيام، التقيت فيها مؤسس جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، وتحدثنا عن هجمات 11 أيلول وعن القاعدة وعن أمريكا”، ومثله فعل الجولاني متحدثاً في لقائه مع سميث على قناة PBC نافياً أي علاقة له بتنظيم القاعدة ومتراجعاً عن بيعته للظواهري في العام 2013!
روسيا بدورها دخلت على الخط وحاولت التأكيد أن الغرب يعمل على احتواء النصرة ونقلت وكالة «تاس» الروسية، عن مصدر دبلوماسي في موسكو بأن «لقاء عُقد بين قائد جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، مع ممثل جهاز الاستخبارات البريطاني الـ MI-6 والمبعوث الخاص البريطاني الأسبق إلى ليبيا، جوناثان باويل، وحسب المتحدث الروسي فإن اللقاء جرى في منطقة إدلب بالقرب من معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، مؤكداً أن “المحادثات كان في صلبها إمكانية شطب اسم تحرير الشام من قائمة التنظيمات الإرهابية”
والسؤال: لو كانت هيئة تحرير الشام منفصلة عن القاعدة هل كانت ستعبر عن فرحتها باستيلاء طالبان على كابل، وهو ما يؤكد أن هذه الحركات حتى لو غيرت من اسمها لن تغير من عقيدتها التي أعلنت عنها عند التأسيس، ولا سيما أن النصرة أعلنت مسؤوليتها عن العشرات من التفجيرات الانتحارية التي تسببت في مقتل الكثير من السوريين.
*كاتب سوري