مآذن الجامع الأموي… تحف معمارية تحلق في سماء دمشق

مآذن الجامع الأموي… تحف معمارية تحلق في سماء دمشق.موقع أصدقاء سورية.
مآذن الجامع الأموي… تحف معمارية تحلق في سماء دمشق.موقع أصدقاء سورية.

لأنها دمشق درة الشرق وشامة الدنيا حرصت كل الحضارات التي مرت عليها أن تشيد صروحاً أو تعيد بناء بعضها لتؤكد أنها حكمت واحدة من أعرق وأقدم مدن العالم ومن تلك المباني الجامع الأموي الكبير بمآذنه الثلاث التي تنتصب كشواهد تاريخية وتحف معمارية تحلق في سماء الفيحاء فأصبحت هذه المآذن أنموذجاً فريداً يحتذى حول العالم.

مآذن الجامع الأموي الكبير ارتبطت تاريخياً بكل العصور الإسلامية بدءاً من الفتح الإسلامي مروراً بالدولة الأموية التي انطلقت من دمشق الشام إلى العصر العباسي وما تخلله من الفترة الفاطمية والطولونية والأخشيدية والفترة النورية الزنكية ومن ثم الدولة الأيوبية إلى دولة المماليك ثم ما جاء بعدها وفق المستشار التوثيقي وأستاذ تاريخ العمارة الإسلامية الدكتور محمد معتز السبيني الذي أوضح أن المآذن كانت تؤدي دوراً حضارياً روحياً دينياً إبان مراحل هذا الجامع فالأذان كان يرفع من أعلاها عبر جوقة المؤذنين بهدف الوصول إلى كل المجموعات السكانية التي كانت تحيط بمدينة دمشق.

وحول مئذنة العروس التي تتوضع في منتصف الرواق الشمالي للجامع الأموي الكبير أكد السبيني أنها تعتبر من أقدم المآذن في العالم والتي انبثقت عنها باقي المآذن كما أنها أنموذج معماري فريد على شكل برج مرتفع تتداخل فيه عناصر العمارة الإسلامية الفريدة التي تظهر مهارة وإبداع العقلية الشامية التي انبثقت عن المدرسة المعمارية الفريدة مبيناً أنها ترجع في بنائها إلى فترة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك حيث أنها تعد من أشهر مآذن الجامع الثلاث وتعد أحد رموز دمشق ومنارة مؤذنيها.

وتعد المئذنة العروس من أجمل المآذن على الإطلاق بما فيها من تناسق بنسب أبعادها وبالعناصر المعمارية والخشبية المستعملة فيها إضافة إلى أن المؤرخين كانوا يصفونها وصفاً خرافياً فذكروا أنها كانت مذهبة من أسفل قاعدتها إلى أعلاها بحسب السبيني الذي لفت إلى أنها كحال كل المنشآت المعمارية والأوابد الأثرية كانت تتعرض للنزاعات والكوارث.

وبين السبيني أنها سميت بمئذنة العروس لأنها كانت تتلألأ بالأنوار والفوانيس عند الغروب لتشبه العروس التي تتوهج وتضيء في ليلة زفافها حيث كان يمتد ضوءها ونورها في الجهة الشمالية إلى حي العمارة مبيناً أن قاعدة المئذنة ترجع إلى العصر الأموي وتحمل نمطه لكن هوية المئذنة حصلت عليها إدخالات وترميمات بالفترة العباسية والدولة النورية الزنكية عام 555 من الهجرة وفي بداية الفترة الأيوبية عام 570 من الهجرة وكذلك بفترة الدولة المملوكية.

وفي الجهة الشرقية الجنوبية للجامع تتوضع مئذنة عيسى عليه السلام التي ترجع في بنائها وفق السبيني إلى فترة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي حكم من عام 86 إلى 96 من الهجرة حيث تعرضت لحريق هائل كما يذكر المؤرخون ما أدى إلى سقوطها في القرن السابع الهجري وحريق آخر في القرن الثامن الهجري في فترة المماليك ما أخرجها عن جوهرها الحقيقي مشيراً إلى أنها تسمى كذلك المئذنة البيضاء أو مئذنة النوفرة لأنها تطل على محلة النوفرة.

وعن مئذنة قايتباي التي تتوضع في الجهة الغربية من الجامع لفت السبيني أنها أول مئذنة بنيت في العهد المملوكي بدمشق وتعد من أهم المآذن الموجودة لأنها تنتمي إلى مدرسة معمارية واحدة على عكس المآذن الأخرى التي جمعت فنوناً متعددة موضحاً أن أصلها أموي وبقيت تتأرجح بين زلزال وحريق ونزاعات إلى أن جُددت في عهد السلطان الأشرف قايتباي المحمودي في سنة 893 للهجرة.

ووصف السبيني مئذنة قايتباي التي تعرضت لزلزال أضرها عام 1173 هجرية بأنها آية باهرة من الناحية المعمارية حيث تحتوي على المقرنصات وحجر الأبلق إضافة لإدخال خصائص فنية معمارية تدل على أن المدرسة الشامية قد تأثرت بالمدرسة المصرية مشيراً إلى أن قلنسوة المئذنة شهدت ترميماً هائلاً وهاماً في عصرنا هذا حتى عادت كأنها المئذنة التي بناها السلطان قايتباي.

بدوره الباحث المعماري الدكتور ياسر الصباغ رأى أن كتلة مئذنة العروس لها وظيفة داعمة للجدار الشمالي للمسجد ومهمتها قريبة من مهمة الجناح المعترض في الجدار الجنوبي مشيراً إلى أن عدد درجاتها 195 درجة وارتفاعها 54 متراً.

وعن طريقة بناء مئذنتي “عيسى وقايتباي” أوضح الصباغ أنهما بنيتا على أساس برج موجود مسبقاً حيث تم تفريغ بلاطات غرف المئذنة للوصول لأساس المئذنة على الأرض وبالتالي هناك نحت بالغرف الموجودة فوق بعضها ضمن البرج الدفاعي للمعبد حيث تم حفر الأسقف والأرضيات ضمنه ليتسع له أساس المئذنة لذلك نلاحظ أن أدراج البرج مختلفة عن الدرج الأساسي للمئذنة المرتفع من الأسفل نحو الأعلى للقمة لافتاً إلى أن عدد درجات مئذنة عيسى 248 درجة ويبلغ ارتفاعها 68 متراً.

وعن مئذنة قايتباي لفت الصباغ إلى أن مواد البناء قديماً كانت تقليدية وأصابها الاحتراق فهدمت وفي العصر المملوكي بنيت بالكامل من الحجر مشيراً إلى أن ارتفاعها يبلغ 56 مترا ًوعدد درجاتها 237 درجة وبقيت كما هي إلى عصرنا الحاضر وتم تلميعها عام 1995.

طارق السيد-نور يوسف

المصدر:سانا