«سوبر ماركت» بنسختها الثالثة أكثر واقعية وجرأة … زيدان لـ«الوطـن»: من شاهد الصيغ السابقة للعرض سيلاحظ الاختلاف

إن لم يكن أبو الفنون -المسرح- هو مرآة الواقع وهو الصوت العالي لتحسين الظروف، فمن سيقوم بهذه المهمة؟ الإجابة عن هذا السؤال يؤكد عليها القدير أيمن زيدان بالعودة إلى المسرح بين فترة وأخرى، متمسّكاً بالنص القوي، والجرأة بالطرح، مع الأداء العالي لمجموعة الممثلين وعناصر أخرى مضافة تزيد من تجليات الحالة المتنوعة ما بين الحبور والسعادة، والمتواترة مع تنبّهات الحزن المخَدّرة.

مسرحية (سوبر ماركت) المأخوذة عن النص الإيطالي (لا تدفع الحساب) لـ داريوفو. ترجمة نبيل الحفار، إنتاج المسرح القومي، مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، سيناريو تعاون فيه كل من زيدان والكاتب محمود الجعفوري. هذا العرض يقدّم للمرة الثالثة على خشبة مسرح الحمراء بدمشق، وكان أول عرض له قد تم منذ 29 سنة، فقد افتتح عام 1992 مع الفنان زيدان كاتباً ومخرجاً وممثلاً، وفي المرة الثانية عام 2008 مع أيمن وشكران مرتجى، محمد حداقي، فادي صبيح، أسيمة أحمد.

أما في نسخته الحالية، فيدير أيمن زيدان العرض إخراجاً، ويقوم بالأدوار كل من الممثلين: حازم زيدان، لما بدّور، سالي أحمد، حسام سلامة، قصي قدسية، خوشناف ظاظا.

حول (سوبر ماركت)

النص والأسلوب الفرجوي مختلف في نسخته الثالثة، ولكن مضامين الواقع الجوهرية والتي تمسّنا نحن السوريين هي الحاضرة وبطرح جريء، يليق بالمهمة الأساس التي يقدمها المسرح، في عرض مستمر لحوالي تسعين دقيقة، استمتع الجمهور خلاله بمواقف كوميدية مدروسة بعيدة عن التهريج المتكلّف، في مواقف حياتيّة خرجت بمشهدية مسرحية ليست بغريبة عنا على الإطلاق، في نص صحيح أنه أجنبيّ، ولكن تم تعديله ليتقاطع مع المؤرقات التي تزعج المواطن السوري من ارتفاع لأسعار المواد التموينية، وشح لموارد الطاقة من كهرباء وغاز وغيره الكثير مما يقدمه العرض المسرحي (سوبر ماركت) والمستمر عرضه لغاية 15/9 من الشهر الحالي.

ينطوي العرض تحت نمط كوميدي واقعي ساخر، حيث تتحدث مسرحية (سوبر ماركت) في بدايتها عن نساء الحي غير القادرات على دفع أثمان المواد الغذائية في ظل ارتفاع أسعارها، ما يدفعهن إلى اقتحام السوبرماركت وسرقة البضائع. في حين رجال المسرحية ينتسبون إلى نقابة العمال، وهم عصاميون ومؤسسون لأحزاب وطنية، وتمسكهم بمبادئهم يمنعهم من أخذ رشوة حتى لو مزّق الجوع معدتهم، واكتشافهم ضمن تواتر الأحداث لفساد مديرهم المسؤول عنهم.

مفارقات ظريفة تثيرها إيفيهات مدروسة وحركات جسدية اعتمدها الممثلون، في جو عام خلال تصاعد الأحداث وفق سلاسة دقيقة.

المسرح يرافع عن البسطاء

تحدث القدير أيمن زيدان لـ «الوطـن» عن اختلاف هذه النسخة من العرض المسرحي (سوبر ماركت) عن النسخ السابقة، بطرح نقاط جوهرية تمس قوت البسطاء وراحتهم، وهي معاناة حقيقية يعيشها الشعب السوري بسبب الأزمة وتداعياتها، فالمشاكل لم تتغير بارتفاع الأسعار، من عدم تناسب الرواتب مع الاحتياجات، وعدم توافر الطاقة من كهرباء وغاز…. إلخ، مضيفاً: في حقيقة الأمر لا أعتبر (سوبر ماركت) عرضاً للمرة الثالثة، لأن من شاهد الصيغ السابقة سيلاحظ الاختلاف، سواء على المستوى النصيّ أو على مستوى الفرجة، فالعرض الحالي ليس إعادة منسوخة بشكل كامل، ولكنه صياغة جديدة، بسبب ما شعرت به من حيث أن المشكلة ساخنة والموضوع المطروح يمسّ قطاعاً كبيراً من الناس البسطاء، وأنا أرى بأن المسرح يجب أن يقدم مرافعة عنهم، فهؤلاء هم أهلنا وأحبابنا الذين يواجهون تحديات قاسية في الحياة. وأخيراً جاء هذا البوح بصيغة فرجوية مختلفة بعد خمس عشرة سنة، سواء على صعيد الكاست أو الرؤيا البصرية التي يُقدم فيها العرض.

الابن سرّ أبيه

بينما حدثنا الممثل حازم زيدان عن أهمية شخصية (جيوفاني) بالنسبة له على الصعيد المهني والعاطفي، إذ يقول: «أنا أتعلم من والدي أيمن زيدان الكثير، ومسرحية (سوبر ماركت) من الأعمال التي تربيت عليها، فلقد حضرت هذا العرض في عام 1992 عندما قدمه والدي وأدى وقتها الشخصية نفسها، وأنا فخور جداً بأن أقوم بنفس هذا الدور وألعب شخصية (جيوفاني) الرئيسية، وخصوصاً بأن النص رائع جداً وحقيقي».

عرض ممتع وموجع

بينما حدثتنا الممثلة لمى بدور عن دورها في المسرحية قائلة: «هذا العرض المسرحي على قدر ما هو ممتع على قدر ما هو موجع، لأنه حقيقي ويلامسنا في كل أمورنا الحياتية، ومن جهة ثانية عندما اختارني القدير أيمن زيدان، أحسست بالسعادة والمسؤولية الكبيرة، فهذه فرصة لا تتاح دائماً، والخبرة التي سأكتسبها خلال أيام العرض ليست بالهيّنة. وأخيراً أتمنى أن أكون وُفقت ونجحت في أداء شخصية (أنطونيا)».

تجدّد واكتشاف

في حين تحدثت الممثلة سالي أحمد عن تجربتها الأولى مع المخرج أيمن زيدان، لافتة إلى أن التواجد تحت ظله في الأعمال يوفر بيئة أكاديمية وخبراتية لا يمكن الاستهانة بها، لتضيف: هذا العرض خاص ومميز جداً، ومن جانبي، تجربتي في مسرحية (سوبر ماركت) دفعتني بقوة نحو الاحتراف الجديّ، وخصوصاً بأنه التعامل الأول مع الأستاذ أيمن زيدان بحيث استفدت كثيراً وبالبروفات أيضاً، فكل ملاحظة كان يوجهها لي الأستاذ زيدان كانت تسدّد خطاي وتضيف لي سواء في أسلوبي أو أدواتي الفنية، ومكنتني من اكتشاف أمور جديدة، وأخيراً سُعدت كثيراً بهذه الفرصة لأنها أتاحت وقدمت لي دعماً فنياً وتدريبياً كي أستمر بطريقة أفضل».

قيمة عالية

من جانبه وفي الحديث مع «الوطـن» عبر الممثل قصي قدسية عن سعادته الكبيرة في العمل مجدداً مع القامة أيمن زيدان، مشيراً إلى أهمية هذا التعامل على جميع الأصعدة، متابعاً: «أنا أحرص دائماً أن أكون موجوداً بالأعمال التي يقدمها الأستاذ أيمن زيدان وخصوصاً على خشبة المسرح، فالعمل معه فيه قيمة عالية، ويوفر لنا استفادة كبيرة، ليس فقط بالمستوى الفني وكذلك على الصعيد الإنساني، وخصوصاً بأن الأستاذ زيدان قيمة إنسانية وأخلاقية عالية جدا، ومن خلال تواتر الأعمال معه سنكتسب الخبرات ومع إيماني وقناعاتي سأصل إلى أحلامي بإذن الله».

الأكثر قربا وحبّاً

وأخيراً توقفنا مع مساعد المخرج والممثل خوشناف ظاظا الذي حدثنا عن خصوصية العمل بالعموم مع المخرج أيمن زيدان وبالخصوص حول عرض (سوبر ماركت)، ليقول: « هذه رحلتي السادسة مع الأستاذ أيمن زيدان، والتي تضيف لي في كل مرة فائدة جديدة ومختلفة عن السابقة من الخبرة والمعرفة المسرحية، الأخيرة التي تدفعني نحو الأفضل في المكان، وهو خشبة المسرح الأكثر حباً وقرباً على قلبي».

الوطن