ياسر العظمة.. لوحات تقرأ المستقبل نستعيدها كأنها اليوم! … عندما يكون الفن حاضراً ونابعاً من الوجدان يصبح قادراً على الاستشراف

لطالما تغنت الدول بمنجميها وتسابقت المحطات على بث استقراء واسع لهم على مدار عام كامل ليتنبؤوا بتفاصيل ربما تخيب أو تصيب، وكما يحق للتلفزيون الأميركي الفرح في إنجاز مسلسل عائلة «سيمبسون» الذي تنبأ بالكثير من الوقائع واستطاع ربما محض الصدفة على السفر عبر الزمن وقراءة المستقبل، كذلك يجب أن نمتهن نحن الفخر من خلال فنان عريق استقرأ الواقع السوري الحالي منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم في ثنائيّات الخير والشر، وقُدّر للفنان ياسر العظمة تناول الواقع الثقافيّ والتربويّ والاقتصاديّ والتعليميّ والعادات والتقاليد، بقصص أحياناً تكون من الأدب العالمي، أو من وحي الحياة، وتنوع في الأماكن واللهجات السوريّة المستخدمة في قصص «مرايا» مثلاً، قرى السويداء، مجتمع الغوطة، بيوت الشام القديمة.. وغيرهم، حيث عكس في كلّ بيئة هموماً، عادةً ما تكون مرتبطة بالمواطن والمسؤول، أو الحاكم والمحكوم، أو القوي والضعيف، أو الصادق والكاذب.

وباء يضرب

وقام صاحب سلسلة مرايا الشهيرة على رصد الواقع السوري وتحدث عن مواقف ومحطات كثيرة مررنا بها وما زلنا إلى اليوم نتذكره بلوحة ما أو جملة مؤثرة قالها، كثيرة هي الأشياء اللافتة في هذه السلسلة الدرامية الساخرة التي امتدت لثلاثة عقود منها حين أنشد العظمة في «مرايا 86» أغنية «لا تلمس لالا»، قبل أكثر من 30 عاما من الآن، واستطاع بثقافته المعهودة أن يستكشف في لوحة «وباء يضرب ضيعة أم التنين» من مرايا 2011 النظرية واللعبة الاقتصادية ووباء كوفيد 19، مغنياً بأسلوب فكاهي ساخر:«خيي لا تصافحني بنوب.. لا تلمس يدي يمكن في عندك ميكروب.. واللمس بيعدي.. بدي اقعد وحدي… لا تقرب لا لا.. خيي لا تصافحني بنوب… لا تلمس يدي يمكن في عندك ميكروب.. واللمس بيعدي».

الكهربا والوعود

كما تناول في إحدى لوحات (مرايا 95) واقعنا الكهربائي المؤسف عن المولدات والوعود وأيضاً عن البواخر لنعود بالزمن إلى أكثر من 25 عاماً.

حيث كان يجلس في ورشة نجارة ويستعجل في عمله قبل انقطاع التيار الكهربائي، قائلاً: لايمتى رح يضلوا يقطعوا الكهرباء.. اللـه وكيلك يا أبو حمدي الي ماشي بسوق الصالحية أو الحمرا كأنه ماشي بمعمل من كثرة المولدات.. الوعود كثيرة منها بالمرفأ باخرة عليها محطة توليد ستكفي البلد.. والمحطة الحرارية تبنى ولم يبق لها إلا القليل لتكون جاهزة.. والعنفات بالسد عاطلة لا يعمل منها إلا 2 من أصل 8… وو».

وغنى للكهرباء والفيجة معاً، قائلاً: «مافي نتيجة.. مافي نتيجة.. يومياً عم يقطعوا الكهرباء والفيجة.. ولادي كلهم مجتهدين.. عم يقروا درسون ع الشمعة.. وبالعتمة ع اللحمسة.. خبرنا الشركة قالوا مافي نتيجة..».

ناشد المغتربين

وخاطب في إحدى اللوحات ابنه العائد من الغربة بصوت قد يلامس الكثيرين ممن هاجروا سورية، قائلاً: «ولك هاد البلد بلدك.. لو طولت لو قصرت بلدك.. لو أخدت الجنسية الأجنبية بتضل هالبلد بلدك.. ولك ذكرياتك فيها.. شربت من مطرها ومن ينابيعها.. اتغذيت من ترابها من قمحها من فواكيها وأثمارها.. أما البلد الأجنبي يلي عم تفتخر فيه فحياتك فيه صناعية مصطنعة حياة متكلفة.

عيشة مستعارة كلا مداراة وخوف من لحظة الطرد والاستغناء عن الخدمات..

صحيح بلادنا مالها متل بلادون وفيها كتير أخطاء بس انتو يلي بتصححوها جيلكون يلي لازم يعدل المسار ويوازن الكفة.. أما الهروب والتقاعس وترك الشقا لمين بقا فهاد هو العجز يا ابني هاد هو التملص من المواجهة والمسؤولية.. يا ابني لا تقول يا ريتني ما رجعت.. هاد كلام كبير لح تندم عليه بيوم من الأيام.. لأنو الطير مهما طار هون ولا هون بدو يرجع لعشو ويستريح.. وإذا ما رجع لح يضل تايه بهالدنيا ويوم يلي بيتعبو جناحاتو شوف وين بدو يوقع ويموت».

مشهد مستقبلي

كما لوّح في حلقة «إنترنت» التي عرضت في العام 2003، والتي كتب فكرتها «سعيد شاويش» وأخرجها «سيف الدين سبيعي»، بطولة «ياسر العظمة، صباح جزائري، وائل شرف، رواد عليو، هالة حسني»، في مشهد مستقبلي، فيظهر الجميع بلباس غريب وهو أشبه بمايقدم في أفلام الخيال العلمي في السينما الأميركية، كما يلتقي الأخوة في بيت واحد بالصدفة، ويدعون بعضهم للزيارة عبر الإنترنت، وهو مايحدث حالياً في واقعنا بعد دخول الهواتف المحمولة والإنترنت وعصر السوشال ميديا التي زادت من الفجوة والتباعد الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة وتحت مسمى «تواصل اجتماعي».

كما أشار إلى أن الدراسة ستكون من خلال الإنترنت، وهو ما نعيشه خاصة بعد أزمة «كورونا»، وكان مشهد تقديم العزاء عبر الإنترنت الأكثر واقعية حيث تقف العائلة أمام شاشة الإنترنت وتتلقى كلمات المواساة والتعزية «صوت وصورة» يقول المعزي «عظم اللـه أجركم» وتقف العائلة مرددة « شكر اللـه سعيكم»، هذا المشهد قريب جداً حيث أصبح العالم يتلقى التعازي في أحباء وأصدقاء من دون إمكانية الحضور بسبب الحظر الذي فرض وأجبر الناس على التعزية من خلال الإنترنت.

كما رصد وتناول مسلسل مرايا خلال عقود الظواهر والتغيرات التي طرأت على المجتمع السوري بداية من دخول التلفاز وتأثيره على العائلة والهوة التي لحقته إلى الهاتف الأرضي واللاسلكي عام 99-2000 ثم لوحة كاشف الرقم على الهواتف الأرضية في مرايا 2000 وصولاً إلى حلقة يكون فيها الشباب مقبلين بشكل كبير على الهجرة، ولوحة عمليات التجميل وكيف أصبحت المرأة مصطنعة والكثير من العبر والدروس والاستقراء، مازال رواد مواقع التواصل يتداولون العديد من المقاطع واللوحات الخاصة بالعمل على صفحاتهم الخاصة.

الوطن