كشفت الجلسة الافتتاحية والبيان الختامي لمؤتمر «التعاون والتشارك» الذي عقد في بغداد أمس، بحضور 9 دول من بينها فرنسا، سبب عدم دعوة سورية لهذا الاجتماع والذي لا يمكن أن نطلق عليه أي تسمية أخرى سوى تسمية مؤتمر «محاولة التنصل من الإرهاب والنفاق».
كلمات الحاضرين وبيانهم الختامي الذي أجمع ضرورة توفير الأمن والاستقرار في المنطقة، والالتزام بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بدا متناقضاً على نحو صارخ مع المواقف الحقيقية لأغلبية هؤلاء الحاضرين، الذين هم من أهم داعمي التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية، وعلى رأسهم النظام التركي الذي بات «يدين» فجأة تنظيم داعش الإرهابي، في حين يعرف العالم كله حقيقة الدور الذي لعبه في دعم هذا التنظيم وبناء علاقات علنية معه وفتح حدوده لإدخال الآلاف من إرهابييه ومن مختلف دول العالم لتقاتل إلى جانبه فيحتل أجزاء من العراق وسورية ويقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء.
حضور داعمي الإرهاب ومموليهم وخطاب النفاق الذي لا حدود له لم يتوقف عند النظام التركي، حيث حضرت قطر، التي جاهر رئيس وزرائها الأسبق حمد بن جاسم وعلى شاشات التلفزة بالمليارات التي أنفقتها بلاده لدعم الإرهاب في سورية، ومحاولة إسقاط الدولة فيها، ليتحدث أميرها بالأمس عن مبدأ «عدم التدخل في شؤون الدول وضمان أمنها واستقرارها»!
أما اللافت في مؤتمر بغداد فكان الحضور الفرنسي وكلمة رئيسها إيمانويل ماكرون، وما كشفته من أحلام فرنسية لاستعادة ماضٍ استعماري عفا عنه الزمن، ومحاولة لطمس الذاكرة والوعي، ليزعم ماكرون في كلمته بأن بلاده تدين كل أنواع الإرهاب الذي يهدّد السلم والأمن العالميين! في وقت تعتبر فيه باريس أحد الداعمين الدوليين الأساسيين للإرهابيين والملاذ الآمن لهم بعد الانتهاء من مهامهم، ولا ينسى السوريون كل بيانات التنديد الفرنسي بمعارك جيشهم في وجه الإرهاب، والتي كان آخرها قبل أيام، حيث ندّدت فرنسا بما يقوم به الجيش في درعا، وهلعت لدعم الإرهابيين الذين اعترفوا هم بوجود فصيل من «داعش» بينهم.
الكلمات الجميلة لأغلبية الحاضرين، التي حملت ما يكفي من عناوين إنسانية وخشية على أبناء المنطقة، والدعوة «للتنمية والاستقرار الاقتصادي الذي يؤدي إلى الاستقرار الأمني» تناسى أصحابها كيف يحاصرون سورية مالياً واقتصادياً ويغتالون أي شكل من أشكال التنمية، وكيف سبق لهم وحاصروا العراق وقتلوا الملايين من أبنائه وهجّروا مئات الآلاف من كوادره وعلمائه، وكل ذلك بحجج واهية لا أسس قانونية لها ولا أخلاقية ولا إنسانية.
وحدها إيران تفردت بخطابها كما أدائها، وذكّر وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بدور دول المنطقة في دعم استقرار العراق بمشاركة دول الجوار وعلى رأسها سورية، وبأن بلاده على اتصال دائم مع سورية فيما يتعلق بالأمن والتنمية المستدامة للمنطقة، وهي ستتشاور مباشرة مع دمشق حول هذا المؤتمر وستؤكد على الدور المهم لدول المنطقة بخصوص أي مبادرة إقليمية.
عبد اللهيان الذي يصل سورية صباح اليوم الأحد للقاء كبار مسؤوليها قادماً من بغداد، في محطته العربية الثانية بعد العراق منذ تعيينه في منصبه، وسيستقبله وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، هاجم في كلمته خلال المؤتمر الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، قائلاً: إن «الأميركيين لا يجلبون السلام لشعوب المنطقة، بل كانوا العامل الرئيس للانفلات الأمني، ويمكن استشعار ذلك في كثير من دول المنطقة بكل جلاء».
مؤتمر بغداد لـ«التعاون والتشارك» ورغم الإيجابية الوحيدة التي حملها من خلال الحوار المباشر بين إيران ودول الخليج والذي بدأ منذ فترة لإنهاء حالة العداء التي سادت في العقد الأخير، غير أن العناوين الأخرى التي عبّرت عنها كلمات الحاضرين وبيانهم الختامي أجاب عن التساؤل المطروح، وهو لماذا لم تدعَ سورية؟ والتي كانت بحضورها ستعري عدداً كبيراً من المدعوين المنافقين والهاربين من العدالة الدولية وتهم دعم وتمويل والاستثمار في الإرهاب الذي لم يضرب سورية فحسب بل ضرب أيضاً كل دول المنطقة.
الوطن السورية