زياد عجان هكذا وُلدتْ الموسيقا.. وهكذا اخترع الإنسان الآلات التي أطربتهُ … لحّن عشرات الأدوار والموشحات والإسكتشات وموسيقا دورة المتوسط الرياضية

كم هي إنسانية ثقافة أوغاريت؟ اسمعوا ماذا تقول الأرض: (يا إلهي، أحبّْ الشعبَ الذي منحته أنتَ الحياة، دعهُ يحيا بأمان، بالخبزِ والزيت، سأتألم إذا مرضَ، لأنه يرقدُ في أعماقي).
زياد عجان باحث موسيقي. هو ابن اللاذقية، الذي تسري موسيقاها في دمه. العاشق لـ(سالم) و(ياشجرة الليمون) و(يامحلى الفسحة على موج البحر).
هذا الموسيقي حين تذكره فإنك تبحر في التاريخ، وتصل إلى بحر أوغاريت، وموسيقاها، وتستمع إلى صلوات الأوغاريتيين، أنغاماً تتراقص على الدفوف والقيثارات، التي غنوها في المعابد والساحات، زيتاً وقمحاً ونبيذاً.
وُلد الباحث الموسيقي زياد عبد القادر عجان عام 1937 في عائلة موسيقية. فوالده عازف عود معروف، وعمُّه الموسيقار الراحل محمود عجان.
وهو موسوعة تاريخية وموسيقية، وله دراسات وأبحاث بالمقامات، أفاد منها معظم من أراد الإبحار في عالم الموسيقا، ويعتبره المطربون والموسيقيون الذين عملوا في مجال الغناء والموسيقا والتلحين (الأب الروحي) لهم في هذا المجال. لحّن عشرات الأدوار والموشحات والإسكتشات، كما لحّن الأناشيد، ومنها نشيد (نادي الزمالك) الرياضي المصري الشهير، و(نادي حطين)ونادي القادسية، ونشيد ثانوية جول جمال، الثانوية الشهيرة في اللاذقية وسواها، كما لحّن أغاني وأناشيد وموسيقا فقرات الأطفال، في افتتاح دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1987 وغنى له (صفوان بهلوان- سمير سمرة- كنانة القصير- جورج نمر- وليد وجدي- كنانة دقنوش- ومها محمد وسامي مقصود..) واعتمد في تلحينه على عدد من الشعراء منهم رشيد شخيص ومصطفى سليمان ومحمود ياسين.
كما أنجز المخرج محمد إسماعيل آغا فيلماً توثيقياً مهماً عن مسيرته الفنية الحافلة، بالتعاون مع الأستاذين الباحثين سجيع قرقماز وفادي مصطفى جعارة.
ويُطلق عليه أصدقاؤه ومحبوه لقب (النهفة)، أي المدهش، وما يعرف عنه أيضاً، أنه الباحث الوحيد الذي جمع الفلكلور الموسيقي لمدينة اللاذقية وريفها، كما عُرف بذاكرته المذهلة لمواليد الأشخاص، والأحداث، والتواريخ، والأسماء، مع ما يحمله من روح النكتة والدعابة. كما يحفظ آلاف الأمثال الشعبية والنهفات، المتداولة بين أبناء اللاذقية.
ومن الأعمال والمسرحيات والإسكتشات التي قدمها: موسم الحصاد- الزهورية- موال الحجر- وسواها.
يُذكرنا الأستاذ عجان بقول للموسيقي الكبير رخمانينوف المتوفى عام 1943 (الموسيقا تكفي لحياة كاملة، ولكن حياةً بكاملها لا تكفي للموسيقا)، لقد وُجدت حضارات من دون رياضيات، ومن دون عجلات، ولكن لا توجد حضارة من دون موسيقا.
ويُضيف: العلامات الموسيقية موجودة في الطبيعة منذ ولادة الكرة الأرضية، وتكونت هذه العلامات بتسلسل فيزيائي متناهي الدقة. الإنسان اكتشف العلامات الموسيقية عن طريق آلات النفخ، التي هي أقدم آلة موسيقية. قبلها اهتدى الإنسان إلى الإيقاع، لأن الإيقاع يتلمّسه الإنسان مباشرةً، مثل نبض القلب، أو تعاقب الليل والنهار، أو المدّ والجزر، أو المشي، كلّ ذلك هو إيقاعات. وأول بداية للإيقاع كان (التصفيق باليدين)، بعدها مباشرة اكتشف ما يُسمّى الطبل أو الطبلة، وهي أولى الآلات التي أوجدها الإنسان (الآلات الإيقاعية). تلا الإيقاع آلة (الناي)، حين وجَدَ الإنسان قصبة، فنفخ فيها، فأصدرتْ صوتاً، ومع التطور أوجدوا لها ثقباً، ثم ثقباً آخر، وآخر.. بعدها البوق أو القرن، الذي يصدر صوتاً واحداً، على حين الناي يعطي أكثر من صوت (تسمية الكورنو أتت من القرن).
بالنسبة لأوغاريت، جميع الآلات كانت موجودة لدى الأوغاريتيين: آلات الدف، والإيقاع، الطبلة، الخشخش، الصنوج.. الطنبور، العود، والكنارة أو القيثارة.
الآلات الخشبية مع الزمن كانت تتلف، لكن الآلات المصنوعة من البرونز أو العاج بقيت، وقد وجدوا (آلة بوق) من العاج، موجودة في منزل الملك.
يقول الملك الأوغاريتي لابنته: (خذي الدفَّ بيدِك، والطنبور احضنيه، وقفي مع مغنيات الملك، وقدّمي طلباتك على أنغام الموسيقا، لأن الربَّ سيصغي إليها).
اعتمد التدوين الموسيقي العربي على الأحرف الأبجدية العربية، ولقد ورد في كتاب الأغاني للأصفهاني أن إسحق الموصلي، المتوفى عام 850 م كتب إلى إبراهيم بن المهدي، المتوفى عام 839 م جنس صوت (صَنَعَهُ) وأورد في كتابه شعر اللحن وإيقاعه وبسيطه ومجراه وأقسامه ومخارج نغمه، ومواضع مقاطعه، ومقادير لأدواره وأوزانه مغنّاة، وقال إبراهيم لقد لقيت إسحق فأنشدته لحنه، ، ففضّلني فيه من دون أن أسمعَه.
التدوين الموسيقي كان قوامه الأبجدية العربية، ويسير هذا التدوين من الصوت الأول الأساسي في السلم الموسيقي، إذ يبدأ التدوين بالألف، ويسير حتى الياء، ومتى وصل الصوت إلى الياء عندئذ نضع ياءً مع الألف (يا)، ثم الباء مع الياء (يب) وهكذا.
عن تفسير ما جاء في الرقيم الموسيقي(أتش 6)، الذي وجد مكسوراً بثلاث قطع، يشير إلى أنه جرت عدة محاولات من باحثين من بريطانيا (سنة 1971) وأميركا (سنة 1974) وبلجيكا وتشيكيا (سنة 1988) كما قام الباحث السوري راوول فيتالي بمحاولة، وجميع من تمّ ذكرهم كانوا باحثين، ولم يكونوا موسيقيين بالأصل.
وقد استفدت من الأخطاء التي وقع فيها الباحثون، وقمت بدراستها بعمق وبشكل موثق، وكان آخر تفسير لهذا الرقيم في العام 2010 ولم أكتفِ بذلك بل اتصلت بصديقي الأستاذ الباحث سجيع قرقماز، ، وقلت له أريد قطعاً أدبية من ملاحم أوغاريت، كي أضعَ لها ألحاناً من أوغاريت، حيث أقوم بصياغتها وتوزيعها وليس تلحينها. أتممنا 8 قطع غنائية و3 قطع آلية:
(الشروق في أوغاريت) و(الغروب في أوغاريت) و(العيد في أوغاريت) وفق مخطط علمي. وتمّ تقديم قطع منها في مهرجانات، مخصصة للحديث عن أوغاريت.
أما عمّا عرفته البشرية، ومنها أوغاريت، من آلات موسيقية، فيلفت:
إلى أن الناي، المصنوع من القصب، الذي أعطاه الأوغاريتيون أهمية في صناعاتهم المختلفة، من سللٍ وكراسي، ومنها الناي. ثم كانت آلة تشبه العود مصنوعة من القرعوش، عليه أوتار مشدودة، مصنوعة من أمعاء الحيوانات، وهي للحقيقة، إلى الآن، تُعتبر من أجود أنواع الأوتار. وتمّ وضع 3 أوتار عليه: الوتر الأول مدوزن على الـ (دو) والثاني على الـ (ري) والثالث على (الصول) وهذا الترتيب كان قبل فيثاغورث بـ900 سنة.
وهناك الكنّارة، أو القيثارة، ويتمّ العزف عليها بالأصابع. وكان الموسيقيون الأوغاريتيون متقدمين جداً في تأليف الموسيقا، حيث يفهمها الجميع.
وأشار الباحث عجان إلى أن تراث الغناء في اللاذقية ينقسم إلى:
أغان عُرفت في كامل سورية، مثل اليادي والدلعونة.
وأغان لم تُسمع إلا في اللاذقية.
وأغان عُرفت في اللاذقية لارتباطها بالبيئة.
أغنية (يا محلى الفسحة يا عيني) هي بالأصل للمطربة المصرية منيرة المهدية، غنتها عام 1929 على أسطوانة، وعُرفت في اللاذقية بأول مقطع، لكن باقي المقاطع هي من صنع اللاذقية حصراً. أما أغنية (يا ماريا يا مسوسحة القبطان) فأصلها أيضاً مصري، وانتشرت في اللاذقية، بسبب علاقتها بالبيئة.
وقد عملتُ أغنيتين عن البحر والصيادين، وأصبحتا الآن من الفلكلور، لأنهما تعودان لبداية سبعينيات القرن الماضي.

الوطن