أحداثٌ لو أنكَ فكرتَ مجردَ تفكيرٍ بها مسبقاً لاتهموك بالجنون، لكن القضية وصلت إلى منحنياتٍ صعبة:
هل نبدأ منَ الكيان الصهيوني الذي شمتَ بالجزائر الجريحة بسبب الحرائق التي تلتهمها وطالبها بتغيير سلوكها بما يتعلق بقضية الصحراء الغربية ومن أين؟ من قلب العاصمة المغربية التي يمتلك ملكها لقبَ رئيس لجنة القدس في الجامعة العربية وتقودها حكومة إخوانية تدَّعي كما يدَّعي غيرها بأن فلسطين هي المرتجى؟!
عذراً منكَ أيها المواطن العربي، لا تظن نفسكَ تعيش الخيال إن قرأت تصريحاً لبطرك التطبيع بشارة الراعي يقول فيهِ بأنهُ «تعبَ من الحروب»؟.. يا لهؤلاء اللبنانيين الذين يعدُّون الغزوة تلوَ الأخرى، والاعتداء برَّاً وبحراً وجواً على «حمامةِ السلام» التي تحدهُم من الجنوب، لقد أتعبتم اللبنانيين بغزواتكم لدرجةٍ باتت فيها حبةُ الدواء حلم، والحديث عن استقدامِ قوات تدخل أجنبية تعبيراً عن الوطنية!
لكن مهلاً فمازال هناك مفاجآتٍ في هذا الشرق، فعندما تسمع خبراً مفادهُ بأن حركة طالبان باتت على أبواب العاصمة كابول، لا تظن نفسك طالبَ شهادةٍ إعدادية تصغي إلى إذاعةِ دمشق وأنت تتابع دراستك عشيةَ سقوط الاتحاد السوفييتي السابق، الخبر ليس مسروقاً من أرشيف الأخبار العالمية قبل ثلاثين عاماً، الخبر «تازة»، والوجود الأميركي هناك طوال عقدين لم يبدل إلا شيئاً واحداً: دخلت القوات الأميركية لتحارب طالبان، واليوم سفارة طالبان تجاور سفارة الولايات المتحدة في الدوحة، يا لهُ من انتصار؟! هل هناكَ من اقتنع بأن هذا الشرق سقفهُ جلباب ولحية، طالما أن حريةَ التفكير رجسٌ من عملِ الشيطان؟!
لكن حتى الدوحة اليوم باتت «ترينداً» على مواقع التواصل الاجتماعي ليس لحدثٍ رياضي ولا لحدثٍ اقتصادي ولا حتى تطبيعي، لكن يبدو بأن الدوحة اليوم تستضيف جولة من جولات ربيع الدم العربي فكيف ذلك؟
يمكننا القول كان الله في عونِ محللي الشاشات، فعندما بدأت أحداث ربيع الدم العربي كانوا يصنعونَ من فيديو مصور بكاميرا بسيطة لثلاثة أشخاصٍ يهتفون هنا وهناك بإسقاط النظام حدثاً ليبنوا عليه مستقبل المنطقة بالعبارة الاستثقافية الشهيرة: «الشعوب كسرت حاجز الخوف»، واليوم ببساطة إن مازحتَ أحدهم وتحديداً من غيرِ العرب وطلبتَ منهم الظهور على قناةٍ عربية للحديث عما يجري في قطر فإن جوابه المباشر سيكون: لا علم لدي بما يجري هناك!
الجواب يبدو أغربَ من الحدث ذاته، يوماً ما عرفَ هؤلاء كيف عذَّبَ ما يسمونه «النظام السوري» ثلاثةَ أطفالٍ في درعا، عرفوا حتى قياس خصر «الجواري» اللاتي كان يجلبهن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وغيرها من الأكاذيب التي أسست ربيع الدم العربي ومصدرها قناة واحدة، وعندما ضربت الأحداث قطر نفسها تاه المصدر، بدت القناة عاجزة عن سداد فاتورة الرأي والرأي الآخر، ما المشكلة في نقاش أثّر الجلوس الطويل على صحةِ المبيضين عندَ المرأة؟! أليست من مشاكل هذا العصر؟!
حتى الآن هناكَ صمتٌ مُطبق من كل القنوات ووسائل الإعلام العالمية عما يجري في فرنسا مثلاَ يبدو هناك ما يبرر هذا الصمت تحديداً أن النفوذ المالي القطري في الإعلام الفرنسي وصل لدرجاتٍ يستطيع معها صندوق قطر للاستثمار أن يُقيل ويعين من يراه مناسباً لتحرير الشؤون العربية، لكن ما الذي يجري فعلياً؟
مما لاشك فيه بأن أي تحولٍ وانتقال في شكل الدولة قد يشوبه الكثير من المشاكل، ما يجري في قطر حالياً لا يتعدى هذا الأمر، هناك من يريد سلطة بين يديه حتى ولو بانتخاباتٍ صورية، لكن في قطر يبدو الأمر مختلفاً لأن مفهوم الصورية سيسقط عبرَ أغلبية قبائلية غير مضمونة، فكان الحل بإسقاط هذه الأغلبية بمنعها من الترشح والانتخاب، إلى هنا يبدو الحدث عادياً في مشيخةٍ ديكتاتورية لولا ثلاثة تداخلات مهمة قد تحسم الكثير من الأمور:
أولاً: الصراع الخليجي- الخليجي
قبل أسابيعَ من خروجهِ، قال وزير الخارجية العماني السابق يوسف بن علوي الذي قاد بحنكة السياسة الخارجية لبلاده لعقودٍ قد خلت، بأن هناك دولاً خليجية قد يصلها الربيع العربي. هناك من ظن يومها بأن هذا الكلام موجه تحديداً لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهناك أيضاً من اعتبر بأن هذا الكلام محض خيال، فالمنطقة ربما قد تأدبت شعوبها بعد ما جرى في سورية واليمن وليبيا، لكن من ذا الذي يستطيع أن يُشبع الروح القبلية والعشائرية للثأر والانتقام؟
بعيداً عن رأينا في الطغمة الحاكمة في إمارة الغاز والإخوان المجرمين التي تدعمهم، فإن ما يجري لا يبدو بأنه سيخرج عن هذا الإطار من التدخلات إن لم يكن هناك من علاجٍ سريع، حتى الوهابية التي كان الأمير الأب سيئ الذكر ينادي بها لينافس السعودية على تبنيها، فإن الحكم الحالي بدا وكأنه يصارع طواحين الهواء لأجلها، لكون السعودية أساساً أعلنت صراحةً التخلي عن هذا المذهب، حتى النسب التميمي الذي صُرف لأجلهِ ملياراتٍ من الدولارات عبر الدراما والإعلام، أمسى هامشياً لن يفيدهُ في صراعِ وراثة عرش الخليج، لأن هناك في مكانٍ آخر من يبني متحرراً من هذه العقد.
ثانياً: كأس العالم:
ليست مشكلة سهلة، الحدث الرياضي الأهم في العالم وهناك من لا يزال فعلياً يعض أصابعه ندماً على الطريقة التي حظيت فيها هذه المشيخة بحق الاستضافة، حتى جميع الأبواب التي فتحها ناشطون لإقرار إلغاء استضافة قطر للمونديال بسبب الإساءة لحقوق العمال الأجانب في المشروع، باءت بالفشل، عبر قيام المشيخة نفسها بدفع مبالغ كبيرة لشراء ذمم لجان التَّقصي، ما يعني أن جميع الجهود القانونية لإلغاء الاستضافة ستواجه المصير ذاته فهل هناك من يفكر بجعل الأحداث الأمنية هي المسبب؟ ربما، لكن لا يمكن القول وبأمانة بأن هناك من خطط لاندلاع الأحداث ليضرب استضافة قطر لكأس العالم، بل الأدق هناك من قد يستغل هذه الأحداث لضرب هذه الاستضافة، تحديداً بعد الأزمة المالية الكبيرة التي ضربت قطاع الرياضة عبر العالم.
ثالثاً: صندوق قطر للاستثمار:
وسط ما يعانيه العالم من ضياع مالي بعد فيروس كورونا، يبدو وكأن صندوق قطر للاستثمار يسيلُ لعاب الجميع، هذا الصندوق الذي يعتمد على فكرة استثمار الفائض المالي بقطاعات غير نفطية يبدو أشبه بـ«بابا نويل» الذي ينتظرهُ الجميع ليحط رحالهُ عندهم، هل هناك من أُعجبَ بفكرة تجميد الأصول المتبعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي كوسيلة ضغطٍ على المشيخة بآليةِ توجيه استثمارات هذا الصندوق؟ كل شيء ممكن فماذا ينتظرنا؟
مع وصولنا إلى الدوحة فإننا سنطوي الملف الأخير هذا الأسبوع من ملف عجائب هذا الشرق، مع إيماننا بأن الأسبوع القادم سيحمل ما هو أكثر عجباً، ببساطة لا يمكن الحديث عن ثورة ولا يمكن الإسهاب في البناء على ما يجري فالولايات المتحدة التي لا يزال البعض يتحفنا ليل نهار بتصريحاتٍ تخديرية عن خروجها من المنطقة، ستدير اللعبة بالطريقة التي تراها مناسبة، ومن اليوم حتى يبان الخيط الأبيض من الأسود، هناك في قناة الرأي والرأي الآخر، برنامج اسمهُ «ما خفي أعظم»، يتحدث عما يسميها فضائح مالية في الدول التي تعادي المشيخة التي تبث منها المحطة، ترى ومن باب المهنية الإعلامية هل سنرى يوماً ما حلقة من البرنامج يتحدث فيها القائمون على العمل عن الطريقة التي سينهي بها «تميم الإخوان» ما سيجري؟
تفاءلوا بالخير.