ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان لـ«الوطن»: الحل في سورية بإعادة الأمن والاستقرار والسلم والسلام إليها والإغاثة أو العمل الإنساني لا يمكن أن يكون حلاً

شدّد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية – دمشق، إياد نصر، على أن الإغاثة أو العمل الإنساني الذي تقدمه الأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة في سورية لا يمكن أن يكون حلاً في هذا البلد، واعتبر أن الحل يكمن في إعادة الأمن والاستقرار والسلم والسلام في هذا البلد، مضيفاً: «حينها وعندما تستطيع وتتمكّن القوى والحكومة الوطنية للشعب السوري من ممارسة كافة صلاحياتها وإمكانياتها نستطيع أن نقول أن هناك مساراً باتجاه التنمية المستدامة في داخل الكل السوري».
وفي مقابلة «حصرية» لـ«الوطن» لمناسبة يوم السكان العالمي الذي يصادف اليوم في الـ11 من تموز من كل عام، قال نصر في رده على سؤال حول تقييمه للوضع الإنساني في سورية بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب التي تشن على البلاد: «الموطنون السوريون بكافة شرائحهم وفئاتهم وعلى رأسهم الأطفال والنساء والفتيات، قد عانوا معاناة شديدة خلال عقد من الزمن وما انفكوا. وما زالت الأوضاع الإنسانية التي ترتبت على ما حدث وما يحدث تلقي بظلالها على كل سبل الحياة، مشيراً إلى أن «الأوضاع الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية والأوضاع الصحية هي في حالة متردية، والمؤسسات الوطنية أصابها الضرر، وبالتالي فإن قطاع الخدمات قد أصابه حالة كبيرة من الشلل وحالة كبيرة من عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات، ولذلك كان صندوق الأمم المتحدة كما باقي مؤسسات الأمم المتحدة موجوداً مع الشعب السوري ليساعد ويقوم بتقوية قدرة المواطن السوري على معايشة هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة، حتى يحين الوقت وتستطيع الدولة السورية أن تعود وتفي بكافة وكامل التزاماتها من أجل حياة كريمة ورفاه المواطن السوري».
وأوضح نصر، أن صندوق الأمم المتحدة للسكان، ليس جديداً على الجمهورية العربية السورية ولا على الشعب السوري، وهو موجود منذ ما قبل الأزمة ويقدم خدماته بطريقة متناغمة ومتكاملة مع الجهود الوطنية في أثناء الأزمة وما قبل الأزمة، وقال: «نفخر بشراكة حقيقة مع المؤسسات الوطنية من وزارات وهيئات مختلفة، ونعمل من خلال شركاء على الأرض يقومون بتنفيذ المشاريع والأنشطة المختلفة في مجال الصحة والمجال الاجتماعي وفي مجالات الدعم النفسي أيضاً». وأضاف: «نقوم بمساعدة وزارة الصحة على الوفاء بالتزاماتها مع النساء والفتيات من توفير لمعدات وأجهزة وأدوات ومواد أساسية وضرورية لصحة المرأة والعناية بالصحة الإنجابية، وكذلك مساعدة الأسر على تنظيم مكونها بحيث يكون هناك كل حمل مرغوب وتكون هناك ولادات آمنة من أي مخاطر»، مشيراً إلى أنه «عندما غاب المتخصص وفقدت سورية الكم الكبير من المتخصصين، قمنا بتدريب وتوفير قابلات صحيات على سبيل المثال لتوفير الولادات الآمنة في البيوت وتزويدهن بكل ما يحتجن إليه من مساعدات ومواد».
وذكر نصر، أنه «على الصعيد الاجتماعي قمنا بتوفير مساعدات آمنة للنساء والفتيات من أجل تزويدهن بتدريب مهني يساعدهن على القيام بتوليد الدخل الكافي واللازم وهن في بيوتهن».
وأشار إلى أنه «في أثناء جائحة كورونا قمنا بتزويد المشافي والمؤسسات التي نعمل معها بشراكة متكاملة وبكل ما يحتاجون إليه من متطلبات لمكافحة هذا الوباء الذي أثقل كاهل القطاع الحكومي والصحي على وجه التحديد».
وأضاف: «أما فيما يتعلق بالسكان، فنحن أيضاً نعمل بشراكة أساسية وعميقة مع المكون السوري الوطني من أجل وضع الخطط اللازمة للعناية بالمواطن وتوفير الخدمات المختلفة»، مشيراً إلى أنه «على سبيل المثال لدينا غداً افتتاح لأحد المشافي في حمص، حيث قمنا بتزويد هذا المشفى بالأسرّة الخاصة بالمرضى والأسرّة الخاصة بالولادات وأجهزة الإنعاش والتخدير من أجل توفير خدمة الولادة والعناية بالسيدات الحوامل في منطقة حمص، حيث تكاد تخلو المدينة من خدمات الصحة الإنجابية الضرورية، وذلك بالتعاون المباشر مع وزارة التعليم العالي من خلال أحد المشافي التعليمية في هذه المدينة».
أما فيما يتعلق بتوفير الخدمات الصحية والنفسية، فيقوم الصندوق، حسب نصر، «بتدريب الطواقم والكوادر والعاملين الاجتماعيين لكي يوفروا هذه الخدمة للنساء والفتيات في جهد مباشر لمنع عواقب أي عنف منزلي وأي عنف مبني على النوع الاجتماعي، للحد من الزواج المبكر والحد مما يترتب على هذه السلوكيات المجتمعية التي ومع كل أسف وجدناها تتفاقم في ظل الأزمة التي عصفت بسورية».
وإن كان لدى الصندوق مشاريع أو سيقوم بمشاريع معيشية لمساعدة الأسر السورية على تدبر سبل المعيشة في ظل الصعوبات التي تعاني منها وخصوصاً المرأة، مع فقدان كثير من الأسر للمعيل حيث باتت المرأة تقوم بدور الأم والمعيل بآن واحد؟، قال نصر: «أتقدم بشكر عميق وجزيل للمرأة السورية التي أثبتت أنها ليست ضحية لأنها ليست مجرد رقم، حيث كانت هي المعيل والأم والأب والأخ والصديق وأصبحت الآن هي معيل الأسر». وأشار ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية – دمشق إلى أنه «لدينا إحصائية وطنية رسمية تشير إلى أن 70 بالمئة ممن يعملون في قطاع الزراعة اليوم هن من النساء و25 بالمئة من أولاء النساء هن أرباب الأسر»، معتبراً أن «هذه إشارة واضحة إلى الدور الذي لعبته ومازالت تلعبه المرأة السورية في حقيقة وواقع استمرار الحياة للأسرة في ظل الأزمة التي حصلت».
وأضاف: «من طرف الصندوق وكما باقي مؤسسات الأمم المتحدة، نعمل ومازلنا على توفير بعض سبل العيش للسيدات، وقد خرجنا من إطار التدريب المهني وتوفير مجالات العمل المهنية النمطية التي ارتبطت بالنساء في السابق وبدأنا بتنفيذ تدريبات مهنية منتجة من لحظة انتهاء التدريب وزودنا أولاء النساء بالرزم والأدوات اللازمة»، مشيراً إلى أنه «على سبيل المثال هناك تدريب خاصة بالنساء في الإصلاحات المنزلية سواء الكهربائية أم الصرف الصحي أم شبكات المياه، لكي توفر السيدة مصاريف الإصلاح، ولكن أيضاً لدينا العديد من الفتيات اللواتي بدأن يدخلن سوق العمل في هذا المجال ليوفرن خدمة آمنة للسيدات الأخريات اللواتي تمنع العادات والتقاليد إدخال الرجال إلى بيوتهن».
وتابع: «وجدنا اليوم فتيات فتحن مشروعات خاصة بهن لصيانة الأجهزة الخليوية والإلكترونية، وكل هذه من نتائج التدريبات التي بدأنا بتوفيرها. لدينا الآن أمثلة على سيدات يعملن سائقات لسيارات النقل العامة في بعض المحافظات وفي محافظة دير الزور على وجه الخصوص، حيث تعمل على إيصال السيدات من وإلى مراكز الأمم المتحدة للسكان لتوفر لهن مساحة آمنة في العمل».
ولفت نصر إلى المشروع الذي أطلقه صندوق الأمم المتحدة للسكان وهو الأكبر من نوعه عالميا لدى الصندوق وهو برنامج ما يعرف بـ«القسيمة الشرائية الإلكترونية»، موضحاً أنه «لم نعد نعطي للسيدات رزماً غذائية، فقد أعطينا للسيدات القدرة المالية لشراء ما تحتاجه المرأة الحامل والمرضع وأسرتها، فتذهب إلى المحال وتختار ما تحتاجه وتعود إلى بيتها كأي إنسان يصرف من مستحقاته من خلال بطاقة إلكترونية ذكية، مشيراً إلى أن «هذا البرنامج بدأنا بتنفيذه منذ العام الماضي ونحن الآن بصدد زيادته وتوسعته.
وأوضح نصر، أن مشروع «القسيمة الشرائية الإلكترونية»، ينفذه الصندوق بشراكة عميقة مع «برنامج الغذاء العالمي»، «في كل المناطق التي نعمل بها في سورية».
ورّداً على سؤال حول أزمة نقص مياه الشرب التي يعاني منها السكان في كثير من المناطق السورية وخصوصاً في الحسكة ومناطق أخرى وإن كان الصندوق يمكن له مساعدة هؤلاء السكان في التغلب على هذه الأزمة وأيضاً مساعدة الفلاحين الذين تضرّروا نتيجة الجفاف المناخي وعوامل أخرى أدت إلى نقص مياه الري؟، أوضح نصر، أن «سورية دولة لديها مناخ يميل إلى الجفاف وتعتمد أيضاً على المياه السطحية كمياه الأنهار وعلى رأسها نهر الفرات، حيث وجدنا أنه لفتت الحكومة كما لفت قطاع المياه في الأمم المتحدة الانتباه إلى انخفاض مستوى المياه خلف سد تشرين منذ أكثر من شهرين».
وأضاف: «هذا الأمر إضافة إلى الجفاف أو التغير المناخي حيث أحدث وأفرز حالة من القلق الشديد بسبب انخفاض مستوى منسوب المياه، وبالتالي قلة توفر مياه الري للمزارعين، وقلة توفر فرص الاستدامة والحصول على متطلبات الحياة لآلاف السكان في كل المحافظات السورية».
وذكر نصر، أنه «منذ نحو عشرة أيام كنا في اجتماع دعت له وزارة الزراعة السورية، وقد وضعنا تصوراً مشتركاً ما بين مؤسسات الأمم المتحدة والوزارة إلى ضرورة العمل المشترك لتحديد كيفية وسبل تقديم العون والمساعدة للمزارع والأسر السورية، ونحن الآن بصدد وضع خطة للاستجابة العاجلة لاحتياجات السكان، وأيضاً لكيفية ديمومة واستدامة دعم المزارع الذي لم يفقد قوت يومه فقط وإنما فقد أيضاً الحبوب اللازمة لزراعة الموسم القادم».
وأضاف: «على الوضع الراهن والآني هناك تصور لاستجابة غذائية وإنسانية عاجلة ونحن بصدد وضع تصور ومناقشته مع الحكومة في القريب العاجل».
وتابع: «أما فيما يتعلق بمياه الشرب كما الزراعية، هناك أيضاً اجتماعات تحدث الآن ما بين الجهات المختلفة وعلى رأسها صندوق الأمم المتحدة ومنظمة الزراعة أيضاً لوضع طرق وآليات لترشيد الاستهلاك وتقليل الاستهلاك واستخدام التقنيات الحديثة في استهلاك المياه في الزراعة مما سيؤمن وفرة في مياه الشرب التي تستخدم في الزراعة الآن لتعويض النقص الموجود في هذه المناطق».
ولفت نصر إلى أن «فرق الصندوق انطلقت ميدانياً وخاصة في دير الزور والرقة وحلب والحسكة إلى تحديد الاحتياجات ومدى تأثير انخفاض مستوى منسوب المياه والجفاف الذي يحدث على المواطن من جانب اقتصادي واجتماعي وصحي، لكي نحدد الفجوة في الاحتياجات لنبدأ بتطبيق خطة استجابة ولكن بناء على الاحتياجات وبشكل مدروس وليس نمطية توفر ما لا يلزم لمن يحتاج».
ويواصل النظام التركي قطع مياه الشرب عن مليون ونصف المليون نسمة في مدينة الحسكة ومحيطها بإيقافه محطّة «علوك» الواقعة في مناطق يحتلها في شمال سورية، عن العمل بشكل كامل. كما حبس المياه المتدفقة من نهر الفرات إلى الأراضي السورية، ما أدى إلى تضرر الفلاحين في منطقة الجزيرة بشكل كبير وتكبدهم خسائر كبيرة وتوقف محطات توليد الكهرباء عن العمل، على حين تردّدت مؤخراً أنباء أنه عاد وأطلق المياه ولكن لم يتم الإعلان رسمياً عن ذلك.
وأشار إلى أن «اليوم الأحد يصادف اليوم العالمي للسكان، ونحن نعقد احتفالية بمشاركة وتحت رعاية وزيرة الشؤون الاجتماعية هنا في دمشق، وبهذه المناسبة نتقدم بالشكر الجزيل على موقف الحكومة السورية في اجتماعات تيروبي التي عقدت حيث أبدت الحكومة السورية التزاماً واضحاً تجاه ما يتطلبه الوفاء بهذه الالتزامات والتنمية المستدامة بحلول العام 2030».
وختم ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية – دمشق، المقابلة بالقول: «ما تقدمه الأمم المتحدة ومؤسسات الإغاثة هو ليس الحل. لا يمكن أن تكون الإغاثة أو العمل الإنساني حلاً في سورية. الحل يكمن في إعادة الأمن والاستقرار والسلم والسلام في هذا البلد، حينها وعندما تستطيع وتتمكّن القوى والحكومة الوطنية للشعب السوري من ممارسة كل صلاحياتها وإمكانياتها نستطيع أن نقول أن هناك مساراً باتجاه التنمية المستدامة في داخل الكل السوري». وأضاف: «ما نقدمه الآن هو مؤقت ما نقدمه الآن من عمل إنساني هو لتخطي هذه الفترة وهذه الأزمة، ولكن كصندوق الأمم المتحدة للسكان نحن مستمرون في خدماتنا وعملنا في الكل السوري من أجل كل الشعب السوري. حتى في وقت انقضاء وانحسار هذه الأزمة الإنسانية التي عصفت بالكل السوري».

الوطن