كتاب الإغريق ونظمهم وحضارتهم.. دراسة تاريخية تحليلية لخليل سارة تناسب القارئ المتخصص والعام

تتمثل أهمية الحضارة الإغريقية عمن سواها من الحضارات البشرية في استيعابها لمعايير التطور الإنساني الخلاق ولاسيما عبر اقتباسها أسس الحضارة وعناصرها من حضارات الشرق القديم وتأثرها بها مؤكدة انفتاحها على المجتمعات التي سبقتها إلى ازدهار النشاط الحضاري لتأخذ لنفسها موقعاً ريادياً في الحضارات اللاحقة من العربية الإسلامية والأوروبية.

من هذا المنطلق التاريخي يقدم الدكتور خليل سارة لكتابه الأحدث الذي حمل عنوان “الإغريق ونظمهم وحضارتهم” الصادر إلكترونياً عن الهيئة العامة السورية للكتاب في 624 صفحة من القطع الكبير على صورة دراسة تحليلية تناسب القارئ المتخصص والعام على حد سواء.

ويبدأ سارة كتابه بعرض للإطار الحضاري لتاريخ الإغريق لاستخلاص عوامل نشوء وتطور هذه الحضارة متوقفاً عند الجوانب التي تأثرت بها بلاد اليونان من حضارات مصر والساحل الفينيقي وبلاد ما بين النهرين في الطب والعمارة والكتابة والأدب الملحمي وغيرها.

ويخصص المؤلف فصلاً للحديث عن جغرافية بلاد الإغريق مبيناً أن بيئتها الطبيعية وجمال مناظرها وتنوعها ترك أثراً عميقاً في نفسية ناسها وعواطفهم وذوقهم ونظرتهم إلى الكون وتطورهم بصورة أسرع وأكثر انسجاماً ولكنها أيضا جزأت بلادهم إلى مناطق منعزلة فظهرت دويلات المدن كما في أثينا وطيبة وأسبرطة مبيناً أن كلمة الإغريق تسمية أطلقها الرومان نسبة إلى قبيلة غرايكوي والتي أسست مستعمرة يونانية على سواحل إيطاليا بين عامي 750 و725 قبل الميلاد.

ويتطرق سارة إلى المصادر التي تساعدنا على معرفة تاريخ الإغريق من مصادر وثائقية تعتمد علم الآثار والنقوش وورق البردي والمسكوكات وقطع الشقف الفخارية والتي تعطي صورة طبيعية صادقة عن تلك البلاد وما وصلت إليه من تقدم وتأثرها بمحيطها وملامح الطبقات داخلها.

وتشكل المصادر الأدبية منهلا لدراسة تاريخ الإغريق ولكنها تتسم بعدم الجزم والقطعية لأنها تتأثر بميول كتابها وظهور نزعاتهم الشخصية وتشمل كتابات المؤرخين ومنهم هيرودوت الذي يلقب أبا التاريخ والخطباء مثل أيسوقراط وكتب الفلاسفة حيث تعد الفلسفة السياسية الإغريقية مصدراً أصيلاً لدراسة نظام الحكم لدى الإغريق فضلاً عن أهميتها في التراث الفكري عبر أسماء أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو ومؤلفي الملاحم والمسرحيات والشعر الحماسي التعليمي حيث القائمة تطول من هوميروس وهسيودوس وايسخيلوس وسوفوكليس ويوروبيدس وأريستوفانيس.

ويتوقف سارة عند ملامح ظهور حضارة الإغريق في سواحل جزيرة كريت منذ الألف الثالثة قبل الميلاد مع الحضارة الايجية ثم الميكينية منتقلاً بعد ذلك إلى الحروب الطروادية التي خلدتها ملحمة الإلياذة.

وفي معرض توضيحه لأصول الإغريق وهجراتهم يبين سارة تعرض تلك البلاد للكثير من الهجرات والغزوات ولاسيما من جهة آسيا الصغرى والساحل السوري وحوض الدانوب ومقدونية الذي امتزج الوافدين منها مع سكان اليونان الأصليين وأسهموا في ظهور الحضارة الهيلينية.

وفي الكتاب عرض موسع وشامل للديانة الإغريقية وتعدد الآلهة ولظهور دول المدن والاستيطان وإنشاء المستعمرات وللحروب الأهلية ومع الفرس والسياسي بريكلس الذي يعد أعظم حاكم أنجبته بلاد الإغريق وحكمه لأثينا وما بلغته من تطور في عهده.

يذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور خليل سارة من مواليد 1954 أستاذ تاريخ الإغريق في قسم التاريخ بجامعة دمشق له جملة من المؤلفات في تاريخ الإغريق والوطن العربي في العصور الكلاسيكية فضلاً عن أبحاث منشورة بمجلات علمية محكمة.

سانا