عن الفضائح التركية ومؤسسات تمويل الإرهاب القطرية: هل ستأخذ العدالة مجراها؟!,,, بقلم: فراس عزيز ديب

عن الفضائح التركية ومؤسسات تمويل الإرهاب القطرية: هل ستأخذ العدالة مجراها؟!,,, بقلم: فراس عزيز ديب
عن الفضائح التركية ومؤسسات تمويل الإرهاب القطرية: هل ستأخذ العدالة مجراها؟!,,, بقلم: فراس عزيز ديب

شكَّلت الفضائح السياسية عبر التاريخ جزءاً من صناعةِ المستقبل السياسي للدول، فكان لها دور فاعل بتحريكِ المياهِ الراكدة في الحياةِ السياسية عبرَ المعارضة التي تتهيأ لاستغلال الأخطاء تمهيداً للإطاحة بالسلطة.

قد تكون الفضائح مرتبطة بالأخطاء العملية وما ينتج عنها من فسادٍ أو مخالفات جسيمة، كفضيحةِ الدم الفاسد التي تورط بها وزير الصحة الفرنسي «إدمون هيرفي» مطلعَ التسعينيات من القرن الماضي. قد تكون الفضائح متعلقة بسلوكياتٍ شخصية تتلقفها المعارضة للضربِ بأضلاع السلطة، كفضيحة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، لكن لم يحدث أبداً في أي بلدٍ أن تطول الفضيحة السياسية أكثر من نصف أعضاء السلطة، والأهم أنه لم يحدث أبداً أن يكون من يتولى كشف هذه الفضائح ذات نفسهِ ليس معارضاً ولا رجل سياسة بل هو رجل مافيا وعصابات منظمة.

سرقَ التركي سادات بكر الأضواء في الأسابيعِ الماضية بعدَ أن بدأ بنشرِ فضائحَ تتعلق بأركان النظام التركي. من القتل والإجرام إلى الاتجارِ بالحجرِ والبشر وصولاً لما هو أهم بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية.

هناك من قلّلَ من أهمية ما يقولهُ بكر لكونِ الفكرة تبدو مقتسبة أو كردٍّ على ما قامَ بهِ المعارض المصري «محمد علي» الذي قدّم فيدوهات مدعياً فضح من سماهم «أركان النظام المصري»، لكن في الحقيقة هذه المقاربة فاشلة ومن يدقق في مضمون فيدوهات كلا الطرفين سيجد أن الإخواني «محمد علي» كان يكرِّر كالببغاء مجردَ اتهاماتٍ للدولة المصرية لا أكثر لأهدافٍ معروفة، وحتى دعواته المشبوهة للفوضى في مصر فشلت لأنه لا يستند إلى حقائق.

بالوقت ذاته هناك من اعتبر ما جرى ضربة معلم لـ«عيال زايد»، إذ إن النظام التركي بدا فعلياً وكأنه اضطرب نتيجة لتداعيات مايقوله رجل المافيا المنشق، أكثر من ذلك يبدو وكأن حكام الإمارات يصرون على الذهاب بعيداً في استخدام هذه الورقة، هل بدأ نظام الإجرام التركي يتراجع بقضية الصحفي السعودي المقتول جمال الخاشقجي؟!

بعيداً عن التفصيل فيما قالهُ سادات بكر وما سيقوله، فقد كان لافتاً ذاك الصمت الذي فرضتهُ تلكَ القنوات التي تدَّعي الحفاظ على الرأي والرأي الآخر، وهي التي لم توفر يوماً فيديو لشرطي مرور يتلقى رشوة بذريعةِ «كشف فساد هذا النظام»، وأفردت للمعارض المصري ذات نفسه مساحات واسعة ليتحدث عما لديه، صمتت عن كل ما قاله سادات بكر.

قد يبدو الأمر مرتبطاً بالعلاقة القوية بين المشيخة التي تبث منها هذه القنوات والنظام التركي، لكن في الحقيقة يبدو الأمر أبعدَ من ذلك وبمعنى آخر:

إن كل ما تقدمَ بهِ نظام الإجرام في تركيا كان له أساس مادي يستند إليه، هذا الأساس المادي هو تلك المشيخة الغازية.

واقعياً لم نكن بحاجة لكلام سادات بكر ليعرف الجميع بما يجري من عمليات تمويل للإرهاب، إن كان هذا التمويل مباشراً أو غيرَ مباشر، كالأموال التي دفعتها قطر لمختطفي الجنود اللبنانيين وراهبات معلولا في عام 2014، ومختطفي قوات الإندوف في الجولان السوري المحتل في عام 2013، هو أسلوب دعم غير مباشر لتلك العصابات، وفي الوقت ذاته فإن إسرائيل ذات نفسها لم تخفي أبداً حصولها على مبلغ مالي لقاءَ تسليم العصابات الإرهابية جنوب سورية أسلحة منسقة، من الذي دفع فاتورتها؟

هو أسلوب لتبييض الأموال ودعم الإرهاب بطرق مغطاة بدواعٍ إنسانية، لكن هذا الأمر لم يعد وحيداً فهناك ما هو أهم طفى على السطح يتعلق بالمؤسسات الرسمية القطرية فكيف ذلك؟

مطلعَ الشهر الجاري نقلت صحيفة التايمز خبرَ قبول المحكمة العليا البريطانية النظرَ في دعوى قدّمها سوريون يتهمون فيها مشيخة قطر بلعبِ دورٍ بارز في دعم الإرهاب في سورية عبر تمويل جبهة النصرة الإرهابية، اللافت بأن هذه الدعوى حدَّدت بالإضافة إلى مكتبٍ مرتبط بأمير المشيخة مؤسسات مالية رسمية وبنوكاً قطرية متهمة بهذا التمويل، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيهِ أمام كل الاحتمالات.

إن هذه المؤسسات المالية هي ذاتها المسؤولة عن تمويل قطاع التشييد للمنشآت التي ستستضيف كأس العالم في العام القادم، وهي ذات نفسها التي تقود بمبالغ خيالية استثمارات رياضية وغير رياضية في الدول الأوروبية وتحديداً فرنسا، بل إن هناكَ نادياً مملوكاً فعلياً للبنك المتهم أساساً بتمويل الإرهاب، ولو وسعنا الدائرة قليلاً لقلنا إن كلام سادات بكر والدعوى ضد المؤسسات المالية القطرية قدّمت قبل أسابيع لكن بطريقة منمقة في شقٍّ مختلف تماماً، لكنه مر مرور الكرام، فما هو؟

قبل أسابيعَ قليلة اشتعلت كرة القدم الأوروبية بقضيةِ انسحاب الأندية الكبرى من بطولةِ دوري أبطال أوروبا التي تُوصَف بأنها كأس عالم مصغرة، يومَها برّر أصحاب هذا القرار بأن العائدات التي يجنيها الاتحاد الأوروبي لا تتوازى مع ما يتم توزيعهُ على الأندية، وحدهُ رئيس نادي ريال مدريد الإسباني فلورنتينو بيريز هو من نطقَ بالحقيقة واختصرها بعبارة:

نحن اليوم لا ننافس أندية، بل دولاً من خلفها مصارف كبرى. هو كان يعني في كلامه ثلاث أندية بالتحديد، باريس سان جيرمان الفرنسي، تشيلسي ومانشستر سيتي الإنكليزيان، لكن بشكلٍ مباشر بدا وكأنه يعني باريس سان جيرمان لعدةِ أسباب أهمها بأن الناديين الإنكليزيين تمت معاقبتهما سابقاً بسبب ما يسمونه قانون اللعب النظيف (النفقات أكثر من الأرباح)، أما النادي الباريسي فلم يعاقبه أحد فهناك تساؤلات كثيرة تُثار حول السبب الذي يجعل هذا النادي ينجو دائماً من هكذا عقوبات، هذا الأمر معطوفاً بالأساس على ملف استضافة قطر لنهائيات كأس العالم وما شابهُ من فضائح صمت عنها الجميع أشعلت القارة الأوروبية، فالبنك الذي تحدث عنهُ بيريز هو نفسه البنك الذي يموّل كل الصفقات الرياضية للنادي المملوك لقطر، لذلك رأى البعض بأن ما جرى كان أبعدَ بكثير عن مجرد خلاف كروي، هي أشبه بصرخة أوروبية لإنقاذ الكرة من المال القذر، أي فضيحة كروية وسياسية ستحملها فعلياً إدانة هكذا بنك بدعم الإرهاب؟

في الخلاصة، يبقى السؤال المطروح هل أن ما يجري فعلياً هو مجردَ وسائل ضغط متبادل ولعب بالأوراق، أم إن المعركة القضائية قد تستمر حتى النهاية؟ هل ستكون زوبعة في فنجان سيجري لفلفتها أم إن ما يجري هو جزء من التجهيز لواقع ما بعدَ الاتفاق الروسي الأميركي؟

مبدئياً نستطيع القول: إن كل الاحتمالات واردة، فقد يكون ما يجري فعلياً هو تجهيز للتخلص من عبء الدعم المباشر وغير المباشر للإرهاب، لكن هذا الأمر يبدو إفراطاً في التفاؤل ما لم يكن هناك قرار أميركي حصراً بذلك، لكونها الوحيدة التي تعرف اللحظة المناسبة للتخلص من أدواتها.

أما المحاكمات وغيرها فليس هناكَ أسهل من لفلفتها كما يُقال في التعبيرِ الدارج، أساساً مَن منَ الدول المشاركة في الحرب على سورية التزم بالتوقف عن دعم التنظيمات المسماة إرهابية بقرار من مجلس الأمن؟ لا أحد وبالتالي تبدو هذه المحاكمات ونشر الفضائح عبارة عن حرب كلامية لا نتيجة منها، ولكي تتضح الصورة أكثر تعالوا لنعود إلى قصة الدم الفاسد في فرنسا فأحد المتورطين بها كان «لوران فابيوس»، هل تذكرون هذا الاسم؟ هو نفسهُ صاحب نظرية «أيام الأسد معدودة» والذي أصبح فيما بعد وزيراً لخارجية فرنسا وكان يحاضر بنا ليل نهار بمعاني الديمقراطية وحقوق الإنسان ثم رئيساً للمجلس الدستوري! أليست قصة مبشّرة بخديعة اسمها استقلال القضاء في الدول الأوروبية؟!