جوهر مشروع الإصلاح الإداري وأحد أهم أهدافه هو مكافحة الفساد..ووزارة التنمية الإدارية تخالف قوانين هيئة الرقابة والتفتيش


انطلق أول أمس مؤتمر الإصلاح الإداري الذي يأتي في ذكرى مرور أربع سنوات على إطلاق المشروع، تحت شعار «إدارة فعالة نحو مؤسسات دينامكية».

وبالرغم من أن جوهر مشروع الإصلاح الإداري وأحد أهم أهدافه هو مكافحة الفساد، إلا أنه تم تغيب الأجهزة الرقابية المختصة بمكافحة الفساد (الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية)، ويتبين ذلك من جدول أعمال المؤتمر الذي وصلت للأجهزة الرقابية نسخة منه، حيث لم تتم مشاركة هذه الأجهزة بأي محور من محاور المؤتمر، وحتى لم يتم توجيه دعوة لها للحضور!

الهياكل التنظيمية الجديدة المنفذة في كل من وزارات الأشغال العامة والإسكان والمالية والإدارة المحلية والبيئة، كخطوة أولى، ليتم بعد ذلك تطبيق هذه الهياكل على باقي الوزارات، تمت حسب وزارة التنمية الإدارية بهدف إيجاد دينامكية مبتكرة، وذلك عبر دمج بعض المديريات بعد تخفيض توصيفها الوظيفي تحت إيجاد إدارات جديدة، فعلى سبيل المثل تم تخفيض توصيف مديرية الرقابة في الوزارات ودمجها مع كل من مديرية المالية والعلاقات العامة والإعلام وأمانة السر وإدماجها جميعاً في مديرية الدعم التنفيذي التي جاءت عوضاً عن مديرية مكتب الوزير.

بعيداً عن مناقشة مدى إيجابيات وسلبيات هذا الدمج على أداء مؤسسات القطاع العام وانطلاقاً من أن المصلحة العامة أولوية عن أي مصلحة فردية، يطوف سؤال غاية في الأهمية، وهو كيف يقوم القائمون على تنفيذ مشروع الإصلاح الإداري الهادف إلى مكافحة الفساد وضمان حسن تطبيق الأنظمة والقوانين، بمخالفة نصوص قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رقم 24 لعام 1981، عند قيامهم بتخفيض توصيف مديريات الرقابة الداخلية؟

إلغاء للرقابات

الوطن تابعت هذا الموضوع مع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المسؤولة عن الجانب الفني لعمل هذه الأجهزة الرقابية، لكونها تتبع إدارياً بشكل مباشر إلى رأس الهرم في الجهة العامة.

مصادر في الهيئة أكدت عدم إبلاغها أو استشارتها عند إجراء عمليات الدمج في الوزارات الثلاث، مشددة على أن هذا الإجراء يعتبر مخالفاً لقانون الهيئة، موضحة أن هذا القرار فيه انتهاك لسرية المراسلات والتقارير التفتيشية المتبادلة بين الهيئة ومديريات الرقابة في الجهات العامة، لكونه سيطلع عليها مدير فرعي (مدير الدعم التنفيذي) وهو موظف غير معتمد من قبل الهيئة، (فهو غير محلف كما أنه ليس مفتشاً).

وأوضحت المصادر أنه وكون الرقابات الداخلية أحدثت بموجب قانون الهيئة فإن أي فصل أو تعديل في عملها وصلاحياتها يجب ألا يتم إلا بموافقة الهيئة والقانون الناظم لعملها، معتبرة أن تنفيذ التخفيض في الوزارات الثلاث الأشغال العامة والإسكان والمالية والإدارة المحلية والبيئة من دون موافقة الهيئة تترتب عليه أضرار مادية وقانونية تستوجب المحاسبة.

وكشفت المصادر أن الهيئة وجهت كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء حول المخالفات المرتكبة نتيجة هذا الإجراء، وبينت أن الجواب جاء من رئاسة المجلس بضرورة التقيد بالعمل بموجب الأنظمة والقوانين الناظمة، ما يعني ضرورة الالتزام بالقانون الناظم لعمل الهيئة، مضيفة: ولأنه مازالت النية باستكمال الدمج في باقي الوزارات مستمرة، بينت أن الهيئة تعمل على إعداد كتاب جديد إلى رئاسة المجلس حول هذا الموضوع.

وأشارت المصادر إلى أن التحقيق هو من اختصاص السلطة القضائية وأن القانون 24 الناظم لعمل الهيئة منحها صلاحية التحقيق الإداري وبموجب القانون أيضاً تفوض الهيئة الرقابات الداخلية بهذه الصلاحية، مشيرة إلى أن المكلف بوظيفة الرقابة الداخلية محلف ومعتمد من قبل الهيئة، كما أنه يمتلك حصانة، ولا يجوز نقله أو إعفاؤه أو معاقبته.. إلا بموافقة رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، معتبرة أن تخفيض المرتبة الوظيفية للمديريات من دون موافقة الهيئة يعتبر مخالفة واضحة لنص القانون.

واعتبرت المصادر أن تخفيض الصفة الوظيفية لمديريات الرقابة الداخلية سوف يؤثر سلباً في عملها عبر فقدانها عدداً من الأدوات والوسائل والميزات اللازمة لعملها بالشكل المطلوب، كما أنه سيعوق المهمات الرقابية التي تحتاج في كثير من الحالات للسرية في العمل لكون تخفيض الصفة الوظيفية سيوجب عليها الحصول على موافقة مدير الدعم التنفيذي وذلك من شأنه أن يفسد إجراءات الرقابة وخاصة في الحالات التي تحتاج إلى سرعة في التدخل وسرية في التنفيذ.

وأكدت أن كل ذلك سيؤدي إلى طلب العديد من مديري الرقابة إعفاءهم من هذه المهمة، كما أنه سيعوق إمكانية تكليف الهيئة للرقابات الداخلية لأن وجود مدير فرعي غير معتمد من قبلها أصبح يشكل عائقاً في التواصل بينهما، واصفة قرار التخفيض بأنه إلغاء للرقابات الداخلية في الجهات العامة.

ونوهت المصادر إلى أن تجربة الرقابات الداخلية في الجهات العامة عمرها 50 عاماً وأي إجراء رقابي يجب أن يبنى عليها لا على تفريغها، خاصة أنها أثبتت نجاحها بدليل أن القطاع العام صمد على مدار سنوات الحرب على سورية ومازال صلباً وصامداً ما يعني أن هذا البناء تم على أسس ناجحة وأحد هذه الأسس هو الرقابات الداخلية، مؤكدة أن الهيكلية الحالية لأجهزة الرقابة الداخلية في جهات القطاع العام تمت بناء على دراسة دقيقة بحيث تتناسب مع الوحدة الإدارية، متدرجة من مديرية في وزارة وصولاً إلى شعبة في مديرية، وذلك وفقاً للتخصص المكاني والزماني، لافتة إلى أن إجراء التخفيض أحدث خللاً إدارياً في بعض الوزارات لكونه أصبح مدير الرقابة في الوزارة رئيس دائرة في حين يتبع له مديرو رقابة في بعض المؤسسات التابعة للوزارة!

وتساءلت المصادر في ختام الحديث عن الهدف من وراء إلغاء تفعيل الرقابات الداخلية عبر دمجها، وأكدت أن محاولة وزارة التنمية الإدارية تكليف مديريات التنمية في الجهات العامة القيام بمهام وليس من صلاحياتها إجراء الرقابة على الجهة العامة، مع التأكيد على أن ذلك غير صحيح وليس فيه جدوى لعدم وجود صيغة قانونية تسمح لها بالقيام بذلك كما أنه لا قوة للتقارير الصادرة عنها، مؤكدة أنه من غير المقبول أن تحاول الوزارة توسيع مهام مديريات التنمية الإدارية في الجهات العامة على حساب باقي المديريات، وأن ذلك سيؤدي إلى حدوث خلل وتداخل بالعمل.

الوطن