سياسة دولي 06 حزيران/ي
ربما نشهد فشل التحالف الائتلافي الإسرائيلي المرتقب قبل تسلم مهامه، وربما أيضاً ينفرط عقده وأنتم تقرؤون هذه السطور، وفي مختلف الأحوال، فإن حكومة تشكلت في “إسرائيل” استطاعت الإطاحة برئيسٍ للوزراء حكم “إسرائيل” مدة تفوق أياً من الرؤساء الذين سبقوه، ومن المعلوم أن بنيامين نتنياهو سيطر على السياسات الإسرائيلية ما يناهز ربع قرن من الزمن، إذ انتخب أول مرة رئيساً للحكومة عام 1996، وتسلم سدة الرئاسة على مدى 12 عاماً متواصلة، وفي الواقع، فإن صمود الائتلاف الجديد سيفضي إلى انتهاء عهد نتنياهو، ورغم ضرورة عدم الاستسلام للأوهام فيما تحمله قادمات الأيام، إلا أن الإطاحة به يعد سبباً وجيهاً للاحتفال.
إن تنحية نتنياهو هدف ومحرك للحكومة التي ينضوي تحتها أطياف مختلفة من الأحزاب الإسرائيلية، منها اليمينية المتشددة والمعتدلة واليسارية الليبرالية التي تفتقر إلى قاسم مشترك يجمع بينها، إذ لا يمكن أن تكون حكومة صقور أو حمائم، يسارية أو يمينية، غير أنها ببساطة عبارة عن كتلة مناهضة لنتنياهو تشكلت لإقصائه عن رئاسة الوزراء إلى الأبد.
لا شك في أنه لن يصار إلى تشكيل تلك الحكومة إلا في حال تماسك التحالف والتصويت على منحها الثقة في الكنيست، الأمر الذي قد يستغرق أسبوعاً أو أكثر، لكن الاستمرار في ذلك الاتفاق أمر صعب تحقيقه، ولاسيما في ضوء ما يطلقه أنصار نتنياهو من تهديدات لأعضاء “حزب يمينا” المؤيد للمستوطنين الذي من المقرر أن يصبح زعيمه رئيساً للحكومة الجديدة.
وفي حال حدث وانهارت الحكومة، فإن ما جرى يحمل في طياته معان كبيرة، وبخاصة بعد انضمام حزب “الحركة الإسلامية الجنوبية” إلى التحالف القائم، وهذا بحد ذاته يكسر المحرمات، إذ للمرة الأولى يشارك حزب من “الأقلية العربية” بالحكم، علماً بأن ذلك التحريم لا يجب أن يكون موجوداً أساساً، نظراً لما يشكله العرب من نسبة تصل إلى 20% في “إسرائيل”.
ولكن صورة منصور عباس يجلس مبتسماً إلى جانب كل من بينيت ويائير لابيد، مهندس التحالف وكاتب العمود الصحفي، يمثل حدثاً هاماً، وقد انتظر الإسرائيليون في يوم الأربعاء وهم يتساءلون عن الشخص الذي سيشكل حكومةً تعتمد على مباركة مجموعة من رجال الدين الإسلامي والزعماء العلمانيين والمجلس الاستشاري للحركة الإسلامية الجنوبية، ذلك السيناريو الذي لم يكن من الممكن تخيله أو تصوره، وما يثير الدهشة والاستغراب أن يحدث ذلك في دولة شهدت حرباً بين اليهود والعرب في الشوارع قبل بضعة أسابيع فقط.
لكنه من الصعوبة بمكان أن نشهد تغييراً في الوضع القائم، وإنهاء للاحتلال أو حتى تحركاً طفيفاً باتجاه التعايش الإسرائيلي- الفلسطيني، وتحقيقاً للمساواة والعدالة، فعقائدياً، يبدو أن بينيت أكثر تشدداً من نتنياهو، ولاسيما أنه زعيم سابق لمستوطني الضفة الغربية ومتمسك منذ مدة طويلة بضم الأراضي المحتلة، الأمر الذي بدا جلياً فيما قاله ذات مرة لصحيفة الغارديان بأن الدولة الفلسطينية لن تقوم و”إن إنشاءها سيكون كارثياً على مدى الـ 200 عام المقبلة”.
علاوة على ذلك، يتفق معظم المحللين السياسيين بأن نتنياهو كان يتجنب إلى حد ما الخوض في أي نشاط عسكري مقارنة بأسلافه، ومن المتوقع أن يكون بينيت ولابيد أكثر عدوانية، حتى لو كان ذلك بهدف تحدي نتنياهو الذي يتشدق بأنه المدافع الوحيد عن “إسرائيل”.
وفي ضوء ما ذكر آنفاً، فإنه من الأفضل تخفيض سقف التوقعات، ومع ذلك، فإن رحيل نتنياهو سيظل سبباً للابتهاج نظراً لما ارتكبه وما أقدم عليه، إذ إنه لم يكتف بترسيخ الاحتلال فحسب، بل جسد الشخص المحتال والمثير للخلافات والديماغوجي ذو النزعة القومية العرقية، مبدياً ازدراءً للمعايير الديمقراطية ولقيود السلطة التنفيذية وللحقائق القائمة، ولم يكتف بتشويه صورة ناقديه والتراخي مع البلطجية وحماية المقربين فحسب، بل كان فاسداً حتى النخاع.
وعلى ما يبدو، أننا سنشهد انتهاء حقبة نتنياهو كما بدأت، بمعنى أننا سنشهد تحريضاً مروعاً، ففي أواخر عام 1995، وقف نتنياهو، زعيم المعارضة آنذاك، أمام حشود تدين إسحاق رابين كونه رئيساً خائناً، رافعا صوراً مشوهة تصوره على أنه “إرهابي” أو ضابط نازي، ما حدا برئيس وكالة الأمن الإسرائيلي إلى الذهاب إليه طالباً منه التزام الهدوء، بيد أن نتنياهو رفض مطلبه وبعد مدة وجيزة قُتل رابين على يد متطرف يهودي، وحالياً، نرى صوراً مماثلة تُنشر لبينيت.
يبدو أن نتنياهو يعتنق مبدأ “فرق تسد” محرضاً مجموعة على أخرى، ففي انتخابات عام 2015، حشد أنصاره يوم الانتخابات محذراً من أن المواطنين العرب سيتجهون أسراباً إلى صناديق الاقتراع، وقد أجدت خطته نفعاً، وفي هذه السنة، خطط لإدخال زعيم العنصرية المتعصب إيتمار بن جفر إلى الكنيست لمجرد اعتقاده أن ذلك سيساعده في الاحتفاظ بالسلطة.
عكف نتنياهو على مهاجمة كل مؤسسة تهدد بمحاسبته أو تقوم بمراقبة سلطته واصفاً إياها بالانتماء إلى النخبة اليسارية المكروهة، علاوة على ذلك، فإنه دأب على مناهضة استقلال القضاء، لذلك عين موالين له كالمدعي العام ورئيس الشرطة ومراقب الدولة المستقل، فضلاً عن قيامه بعرقلة دور وسائل الإعلام عبر إغلاق محطة إذاعية حكومية غير موالية له إلى حد ما، بينما دعم إطلاق صحيفة يومية لتغدق عليه بعبارات المديح، كما ضرب صفحاً عن الاتفاقيات الديمقراطية ذات الأهمية، بما في ذلك تلك التي تنص على تنحي رئيس الوزراء المدان، وعوضاً عن ذلك، فقد تمسك بمنصبه حتى أثناء محاكمته بثلاث تهم فساد رئيسة.
إن تسلم نتنياهو سدة الرئاسة مدة طويلة أدى إلى تآكل الشارع الإسرائيلي من الداخل، وإن استبداله بحكومة منقسمة لن يضع حلا للإشكالات القائمة، ولكنه في مختلف الأحوال سيفضي التخلص من نتنياهو إلى بدء عهد جديد.
الثورة