العقاب.. شعار انتشر من سورية إلى أنحاء العالم

سورية الأرض البكر في العالم والمهد الأول لانطلاق الرموز والشعارات ومنها انتشر شعار العقاب إلى سائر أنحاء العالم وأصبح جزءاً من الإرث الثقافي العالمي وعنصراً رئيسياً في المعتقدات والأفكار الفنية والأدبية.

وأكد المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار السوري وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن المكتشفات الأثرية والتي عثر عليها في مختلف المواقع الأثرية السورية توثق بالدليل الأثري أن الإنسان في سورية هو أول من نحت في العالم ملك الطيور الجارحة، طائر العقاب في الألف العاشر قبل الميلاد واتخذه رمزا للعزة والعنفوان والكبرياء والاعتزاز بالنفس والشجاعة والحرية والقوة وعدم العدوانية والسيادة والشموخ، كما يرمز جناحاه للصعود والتسامي ومعانقة سعة السماء.

وأوضح الباحث السيد في تصريح لـ سانا أن موقع سورية الجغرافي وتباين مناخها جعلها تمتاز بالتنوع الحيوي النباتي والحيواني، فسورية تجمع بين بيئات جغرافية متمايزة وتتأثر بنظم بيئية ومناخية متنوعة تمزج ما بين البيئة الصحراوية وجفاف البادية وبين البيئة الرطبة الخضراء التي شكلها مرور نهر الفرات فيها ما جعلها موئلاً للتنوع الحيوي، علماً أن جبل سنجار الواقع على الحدود السورية-العراقية بين محافظة نينوى ومحافظة الحسكة، هو اليوم مصدر العقبان الثمينة والنادرة في العالم، وفي قرية الرحيبة (60 كم شمال العاصمة دمشق) تسعر الطيور الحرة والصقور النادرة، ومنها تخرج الأسعار إلى العالم.

ولفت المؤرخ السيد إلى أن العقبان تمثل جزءاً من تاريخ البيئة السورية والتوازن الحيوي فيها، وساعدت في الماضي وما تزال تساهم في الحاضر في الحفاظ على التوازن البيئي بافتراسها للحيوانات، والعقاب السوري هو الوحيد بين مجموعة الجوارح الذي يتشابه في الأوابد الأثرية السورية والتي تم اكتشافها أيضا على النقود والأختام السورية القديمة، وكثرة تمثيل العقاب في اللقى الأثرية السورية تؤكد أن سورية وفي ضوء المعطيات الأثرية الحالية هي الموطن البكر لطائر العقاب، وتعتبر الجمهورية العربية السورية في التاريخ الحديث السباقة عربياً في اتخاذ العقاب شعاراً لها ليغدو جزءاً من تاريخ الوطن ورمزاً من رموز الفخر والاعتزاز.

وبحسب خبير الآثار السوري دراسة المنحوتات الأثرية تؤكد أن النحات ومصمم الشعار صور طائر العقاب وليس النسر أو الصقر الأصغر حجما وأن العقاب هو شعار الجمهورية العربية السورية وليس النسر، ففي منحوتتي الجرف الأحمر وجبل بلعاس يلاحظ ان العقاب جسد بشكل طائر كبير، رشيق وسريع الانقضاض وتظهر عليه علامات الاعتزاز وله نظرة حادة، فارد الجناحين كرمز لسمو الروح والعقل وللتعبير عن جارح قوي مهيب الطلعة عظيم الهيئة أثناء التحليق، يستطيع مشاهدة فريسته من على بعد كبير أثناء طيرانه في السماء وبأقدام قوية.

وأوصاف العقاب في جميع المنحوتات السورية القديمة تحمل ذات الشكل والسمات، ففي منحوتات تدمر صور العقاب برأس كبير ومغطّى بالريش.

وجسد العقاب في منحوتات تدمر بذيل وأجنحة طويلة وعريضة وريش كثيف وكبير وريش الأجـنحة قوي وصلب ومرتب بشكل يسمح بمرور الهواء على سطح الجناح لتساعدها على الطيران المديد، وله عيون كبيرة وحادة عــلى جانبي الـرأس تمكنه من رؤية الفريسة من مسافات بعيدة قد تصل لحوالي 2 كيلومتر ويزداد مجال رؤيتها بصورة ملحوظة بفضل قدرتها على دوران الرأس 270 درجة، وتعود حدة النظر إلى سعة العينين اللتين تعكسان صورة أكبر على الشبكية فضلا عن كثافة الخلايا الحساسة للضوء فيها والتي تجعل الصورة أكثر تفصيلاً ووضوحاً، إلى جانب وجود فجوتين مركزيتين في كل عين وهي مستقبلات ضوئية كثيفة جدا تمكنها من التركيز على هدف معين دون غيره، وقدرتها على الرؤية بالألوان بفضل احتوائها على المخاريط التي تميز الألوان، وما يزيد من حدة النظر احتواء هذه المخاريط على كريات زيتية ذات لون يقع بين الأصفر والأحمر فتميز بذلك بين الأشياء الحية وتلك الجامدة والتي لا تتحرك وهذا ما يعزز فعاليتها في الصيد، وتعمل هذه الكريات على امتصاص بعض الألوان وخاصة اللون الأزرق، وبذلك تستطيع العقبان ان ترى ما هو كامن في الجو وتحت زرقة السماء ولها وظائف أخرى تتمثل في عدم استقبال الموجات الضوئية المنحرفة بتأثير الأتربة والضباب، فتستطيع ان تبصر بعيداً والجو ملبد بالغيوم أو بالغبار.

وتابع السيد: وجسد في النحت حاجبا العقاب المقطبان اللذان يحميان العينين من وهج أشعة الشمس وأجفان في كل عين إلى جانب الجفن الأصلي والذي يغلقه أثناء الطيران وعند الانقضاض على الطريدة لحماية عينيه من الغبار وذرات الرمل المنتشرة في الجو، وبدا منقار العقاب المنحوت ضخم الحجم قوياً حاداً معقوفاً للأسفل، به خطافات حادة عند طرفه تساعد على تمزيــق لحم الفريســة، وبدا العقاب في منحوتات تدمر واسع الأشداق (الشِّدْقُ: جانِبُ الفَمِ مِما تحت الخدّ، ورَحابةَ الشدقين، تدل على جهارة الصوت)، يكسو ساقيه الريش، وبأرجل قصيرة وقوية ذات أربعة أصابع، ثلاثة منها متجهة للأمام والرابع للخلف وينتهي كل إصبع بمخلب منحن قوي، ويتمتع ببنيه جسدية صلبة وقوة في عضلات القدمين ومخالب خارقة تدل على شراسته وقوته الكبيرة وتساعده على قتل وصيد الفريسة وحملها إلى العش، والعقاب لا يأكل إلا من صيده، بعكس النسر ذي الأرجل الضعيفة، كون غذائه الأساسي هو جيف الحيوانات.

وبموجب القانون رقم 37 الذي أصدره القائد المؤسس حافظ الأسد  بتاريخ 21 حزيران 1980 وبعد إقراره من قبل مجلس الشعب بتاريخ 17 حزيران 1980 ونشره في الجريدة الرسمية عدد 26 لعام 1980 أصبح شعار الجمهورية العربية السورية وإلى يومنا المعاصر يتألف من ترس عربي نُقش عليه العلم الوطني للجمهورية العربية السورية بألوانه، ويحتضن الترس عقاب يمسك بمخالبه شريطاً كتب عليه بالخط الكوفي «الجمهورية العربية السورية» وفي أسفل الترس سنبلتا قمح ويكون العقاب والشريط وسنبلتا القمح “رمز الخصوبة والحياة”، باللون الذهبي، وتكون الكتابة وخطوط الأجنحة باللون البني الفاتح.

إذاً دراسة اللقى الأثرية السورية وشعار الجمهورية العربية السورية منذ عام 1945 وحتى اليوم توثق أن العقاب هو الطائر المصور في المنحوتات الحديثة والقديمة المكتشفة في موقع جرف الأحمر وموقع جبل بلعاس ومنحوتات تدمر والورقة النقدية السورية من فئة الخمسة آلاف ليرة، العقاب رمز القوة والسيادة والشجاعة والاعتزاز والفخر هو شعار الجمهورية العربية السورية الحالي وليس الصقر أو النسر.

محمد عماد الدغلي

المصدر: وكالة سانا