اختراقات “عمّال” الكتابة الدرامية يتصدّرون المشهد الهابط نصيّاً

لماذا اتخذ الإبداع الوجهة إلى الدراما؟ وهل الربح المادي وسحر الشاشة والشهرة السريعة هم أدوات استقطاب كتّابها، وإن كان البعض لا يفقه شيئاً في كتابة النص الدرامي؟ فما الذي يحكمه وكيف يحافظ على عناصره وما هو دور الخبير الدرامي؟ وهل علاقة الإنتاج بالنص الدرامي علاقة تبادلية في إنجاح النص أو إفشاله؟
“النص التلفزيوني معادلة فنية صعبة، ويحتاج إلى قصة ذات طاقة حكائية تمتد إلى ثلاثين ساعة تلفزيونية مما يتطلب دراية بالعقدة والحبكة الدرامية والقدرة الفنية على شحنها باستمرار، والحفاظ على إيقاع لأحداث متدفقة، تكون فيها الشخصيات الرئيسية والمضادة وحتى المساندة في قلب الصراع الدائر، وأن يدفع كل مشهد من المشاهد المكتوبة القصة إلى الأمام، فكل مشهد لا يحقق هذا الشرط يجب شطبه، كي لا يدخل النص في الهدر والثرثرة مما يضعف بنية العمل الدرامي ويصيب المشاهد بالملل لكن من المؤسف أن النص والكاتب هما الحلقة الأضعف في دورة الإنتاج”، وفقاً لما ذكره الكاتب الدرامي سامر محمد اسماعيل حين وجهت له الأسئلة واصفاً بعض المشرفين على الإنتاج بالأميّين، لأنهم لا يعنيهم سوى استقطاب النجوم، واستعراض ديكورات وأزياء فخمة داخل الكادر التلفزيوني، وهذا قد يحقق صورة يمكن الاستفادة منها في الفيديو كليب، لكن الدراما شيء مختلف، ناهيك عن أن معظم المخرجين الذين يعملون اليوم في الدراما السورية ليس لديهم أدنى معرفة بشروط العمل الفني الجيد، فهم لا يستطيعون أن يقيّموا نصاُ أو أن يشرفوا على كتابة نص درامي جيد ، فاهتمامهم ينّصب على عدد دقائق التصوير التي ينتجونها في اليوم وعلى مغازلة النجوم!
مشيراً اسماعيل إلى أن جلَّ من كتب السيناريو التلفزيوني كانوا في التسعينات والعشرية الأولى من الألفية الثالثة قد جاؤوا من عالمي الأدب والصحافة، بعكس ما يحدث اليوم في كتّاب السيناريو التلفزيوني الذين يأتون من الفراغ، ومما يسمى اليوم بورش الكتابة وهؤلاء أقرب إلى عمال كتابة، أو / فعيلة كتابة / فليس لديهم الزاد المعرفي ولا الخبرة في كتابة الدراما بل هم غالبا يسوّدون صفحات لتصوير عاجل وعبر الطلب، وهؤلاء ليس لديهم الدُّربة أو الدراية بالشروط الفنية للكتابة، فكل ما يطمحون إليه هو تقديم ورق جاهز للتصوير مقسما إلى فيديو و أوديو وهذا ليس ذنبهم بل ذنب شركات إنتاج تختص اليوم بإنتاج الدراما الرجعية أو ما اصطلح على تسميته بأعمال البيئة الشامية أو كتابة مسلسلات بوليسية عن المافيا وتجار الرقيق الأبيض وهي مسلسلات غايتها الوحيدة هي الترفيه، وتنفيذ ما يطلب منها للمحطات التلفزيونية الكبرى في العالم العربي.

متأسفاً الكاتب سامر اسماعيل من تعبير ينم عن انحطاط في الذائقة، واستفراد رؤوس أموال جاهلة تستغل الدراما لتبييض أموال الحرب والفساد، وفي هذه النقطة لا يمكن سؤال هؤلاء عن النص، ولا عن حقوق الكاتب معنوية كانت أم ماديّة، فهؤلاء لا يعنيهم سوى رضا النجوم وتقديم ميزانية لهم تفوق الوصف دون أن يرف لهم جفن، وبرأي اسماعيل أن معظم المخرجين يتدخّلون في كل شاردة وواردة بل إن بعضهم يقوم بكتابة أدواره ناسفا بنية النص، ومطيحاً بقصة العمل على حساب زيادة مشاهده في المسلسل، دون أن يتدخل المنتج أو المخرج، فالمخرجون وكما وصف اسماعيل أن معظمهم من “الصنايعية ” عند شركات الإنتاج وأُجراء لرأس المال الجاهل والذي لا تعنيه سوى “دزينة ” النجوم الذين نراهم يتصدّرون معظم الأعمال، وهؤلاء أي النجوم كي يظلوا مرغوبين ومطلوبين، يصبغون شعورهم ويبيضون أسنانهم ويجرون عمليات تجميل كي يظلوا في الثلاثين من العمر وهم يلامسون اليوم حيطان السبعينات، مهزلة لا نراها إلا في بلداننا العربية، والتي لا تستطيع اليوم أن تقدم فناً راقياً ومحترماً، إما لضحالة عقول من يشرفون وينتجون، أو لاختراقات عديدة قد حولت الدراما التلفزيونية السورية إلى نوع من الاستعراضات لأصحاب المال، والبريستيج ونسج العلاقات الخاصة العامة، فمعظم الممثلات الصاعدات اليوم هن من هؤلاء الذين يرغبون في الظهور على الشاشات بأنوفهن وشفاههن العجيبة المحقونة بالنايلون فقط من أجل زيادة أجورهن!
لم يكن رأي الفنان والكاتب الدرامي أحمد السيّد مغايراً لرأي اسماعيل، فبالنسبة للسيّد أن من يسيطر على القسم الكبير من صناعة الدراما هم تجّار لا يفقهون بصناعة الدراما شيئاً، يريدون إثبات وجودهم كأصحاب رأسمال من خلال نصوص هابطة، ويخضِعون هذه الصناعة لعوامل الربح والخسارة والطلب من المحطات العربية، في جانبٍ آخر هناك بعض المنتجين الذين يخلصون في صناعتهم ويقدمون دراما تلفزيونية رائعة، مشيراً السيد إلى أن الكاتب هو أساس صناعة الدراما التلفزيونية، الكاتب الدرامي الخبير والقادر على نقل الحالات الإنسانية بكل صدق وشفافية ضمن سيناريو مدروس وواضح وواقعي أما استقطاب كتّاب لا علاقة لهم بالدراما فهذا مقتل للدراما، 
فالكاتب الدرامي الحقيقي لا يأتي من فراغ فهو خبير بالفعل الإنساني، إنه قادر على رسم ملامح الشخصيات وتنسيقها ضمن أحداث منطقية وبيئة واضحة ومفهومة من قبل المتلقي ضمن حبكة مدروسة ومتماسكة وموزونة بحيث تكون صورة مهذبة عن الواقع وتكون العلاقات الإنسانية فيها منطقية وواقعية وبعيدة عن الخيال والصدفة والقراءة الفوضوية للحدث، وأحياناً نشاهد عملا تلفزيونيا لكاتب روائي أو شاعر أو أديب، ولكن للأسف تكون الحبكة الدرامية غير متماسكة والسبب هو نقص الخبرة الدرامية وهذا يحتاج إلى معالجة درامية من قبل خبير درامي، فالمتابعة من قبل خبير درامي مهم للعمل ولكن معظم شركات الإنتاج تعتمد عل خبرة المخرج وبعض الفنانين في إعادة صياغة النص الدرامي، والحقيقة لا ينقصنا خبراء فهم موجودون بكثرة ولكن لا أحد يستخدمهم في معالجة النصوص وإن حصل هذا الشيء فهم يقدمون لهم أجراً بخساً لا يتناسب مع جهدهم الذي قدموه لإنقاذ النص من الهبوط.
مبيناً السيّد أن ما يحكم النص الدرامي الجيد هو أولا: الحكاية المكتوبة بشفافية وخبرة بشخصيات حياتية من واقعنا ومجتمعنا، وثانيا: المخرج الذي يقرأ النص بعمق ودراية وتفهم لما يريده الكاتب ثم ينفّذ وفق هذه الرؤية، إضافة إلى عامل الإنتاج الذي يعتبر من أهم عوامل الصناعة الدرامية، فالعمل الجيد يكون مشبعاً بكل ما يحتاجه، من إمكانيات إنتاجية حتى يكون عملاً جديراً بالمشاهدة، رغم أن أجر الكاتب الدرامي المبدع في سورية لا يتماش مع الأجور في البلدان المجاورة، وما يؤسف أن أجر ممثل “نجم” يساوي عشرة أضعاف أو أكثر من أجر الكاتب مع أن الكاتب هو من صنع الشخصيات والأحداث الحيّة التي تعيش في ذهن المتلقي.

الثورة


  


انشرFacebookTwitterTelegramWhatsApp