إطلالة سورية،البروكار، خيوط الشمس الدمشقية

خيوط تتشابك بين ألوان الفضة أو الذهب ممزوجة بروح المكان القديم تستنشق معها عبق الأصالة والتراث لتنتج قماشا مزدانا بروح مدينة دمشق، رقيق ناعم الملمس هفهاف يصعب نسجه على الأنوال الآلية التي لاتحقق له ذات الدقة وتعدد الألوان الذي تقدمه المكوك اليدوية، فبخيوطٍ من الحرير الملون يبدأ النول الذي يعود لعام ٣٦ من القرن الماضي بحياكة قماش اقترن عالمياً باسم دمشق مقدماً حكاية “البروكار”نسيج تجمع خيوطه الجمال والتنوع والقيمة الفريدة القادرة على أسر قلوب كل من يستهدف الفن والتراث،قوامه الحرير الطبيعي المستخرج من دودة القز الذي يعطي تموجا بالألوان و صناعته تعتمد  على عنصرين أساسيين وهما الإنسان الحرفي الماهر والنول اليدوي وبعد توفرهما يسرقك مشهد حياكة القماش وتفاصيل صنعه حيث تتشابك الخيوط فيها بين ألوان الفضة أو الذهب لتعطي رسومات البروكار المختلفة منها الكشمير والعاشق والمعشوق ورسوم لعمر الخيام اما رسوماته النباتية فكان منها الياسمين الدمشقي وورق العنب ومن الرسومات الخارجية.

كانت رحلة السندباد البحري الذي لاقت رواجا واسعا بما في ذلك لوحة أرض معركة حطين بالإضافة إلى مااستقدمه حرفيو دمشق من ثقافة وقصص الشعوب ك روميو وجولييت ورسوم مأخوذة من إمبراطور ألماني “تاج ملوكي” ورسمة الفراشة وغيرها الكثير وهنا يبرز مدى تلاقي الحضارات وانسجامها على القماش الدمشقي كما هي أرض الشام التي شهدت على الدوام أبرز الحضارات بتنوع فنونها صانعة بروكارها الخالد وتقول كتب التاريخ أنه في فترة الاحتلال العثماني للوطن العربي أبدى العثمانيون اهتماما شديدا بصناعة البروكار وقاموا باحتكاره ونقله إلى مدينة اسطنبول لكنهم فشلوا وخلال عهد الاحتلال الفرنسي اهتم الفرنسيون بصناعة الحرير في سوريا واحتكروه لمصانع بلادهم وحاولوا نقل صناعة البروكار إلى مدينة ليون الفرنسية من خلال إرسال مهندسين فرنسيين إلى دمشق والإطلاع على النول القديم لتصميم نول مشابها في فرنسا مع تطويره إلى الآلة الميكانيكية ورغم كل هذه المحاولات لم تفلح فرنسا في تحقيق غايتها بسرقة صناعة البروكار الدمشقي ونقله لفرنسا وطمس معالمه في دمشق نتيجة افتقادهم للمادة الأولية وهي الحرير الطبيعي ناهيك عن القيمة الفنية ورهافة الصنع التي اعتمدت على الحرفي الدمشقي المبدع وبقي في دمشق التي واصلت نسج اقمشتها منه والبستها للسلاطين والامراء والملوك و أصبح البروكار الدمشقي من أنفس مايتباهون به ، و ما لا يعرفه الكثيرون ان فستان زفاف الملكة البريطانية إليزابيث الثانية مصنوع من بروكار دمشقي وجاء قماشه بالكامل من العاصمة السورية دمشق عام ١٩٤٧ وهو محفوظ حاليا بقصر بكنغهام وقبلها الملكة ماري انطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر آخر ملوك فرنسا كانت مولعة بالبروكار وكانت خزائنها تضم ٧٢ ثوبا. وفي دمشق مازال متداولا في مفروشات مجلس الشعب ومقاعد قاعات الشرف في مطار دمشق الدولي كما ويُعد وشاح أمية أرفع وسام رئاسي سوري مصنوع من البروكار الدمشقي على نول يدوي وموشى بخيوط الذهب في بداية القرن الماضي كان حوالي ١٠٠٠نول يدوي يعمل والاف الحرفيين لكن هذه الأنوال تقلصت إلى عدد فردي من الأنوال القديمة في سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية في دمشق بينما تقلص عدد العاملين في هذه الحرفة ذات الصيت العالمي فعلى الرغم من الاهتمام الكبير بحرفة البروكار وعلى الرغم من المساعي الواعدة بضرورة إبقاء هذه الحرفة تنبض بالحياة إلا انها وحسب المهتمين بالتراث والحرف القديمة تعاني حرفة البروكار اليوم من الموت السريري وتبحث عن منقذ لها لتبقى صامدة بالوانها الساحرة ونقوشها الشرقية ومطرزاتها الذهبية والفضية وهي تقاوم من أجل البقاء والاستمرار يدعمها في ذلك حماة التراث وعشاق الإبداع الدمشقي

اعداد: مجد حيدر