أيام عشناها وهي الآن للتاريخ… كتاب جديد للدكتورة العطار يحفل برؤى تربط الماضي بالحاضر

ما من شخص قادر على تناول حقب من تاريخنا المعاصر والحديث عنها واستخلاص العبر منها كمن عايشها وراقبها عن كثب وكان فاعلا في تفاصيلها وهو ما دأبت عليه الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية منذ سنوات عديدة فأصدرت في سبيل ذلك مجموعة كتب تضم توثيقا لسنوات عملها في العمل الرسمي والوطني والحقل الثقافي والأدبي آخرها كتاب “أيام عشناها وهي الآن للتاريخ”.

ولأن التاريخ يعيد نفسه بصور شتى فإن الدكتورة العطار وجدت أنه من المفيد إعادة نشر مقالات كتبتها منذ النصف الثاني من السبعينيات والنصف الأول من الثمانينات لما حملته من نذر الحاضر ومن الإشارة إلى ملامح مؤامرة كانوا يخططون لها تحولت إلى حيز التطبيق شاعت بعدها دعاوى تفكيك التضامن العربي والتطبيع العلني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.

وتقول العطار “أعيد نشر هذه المقالات لأنها تجسد الإدراك الواعي للمؤامرات التي حاكوها ضد أمتنا لا ضد سورية فحسب ورسموا خطوطها وشبكاتها تمهيدا لكل ما باتوا يحققونه في الراهن” معتبرة أن هذه المقالات التي كتبت في الماضي مثلت البدايات الأولى للأحداث التي تلت بأشكالها المختلفة وأضاءت على ما يجري في الحاضر مما أعد له الأعداء متناسين أن التاريخ لن يكون ملكهم وأن الشعوب لا بد ستنتفض لأوطانها ولحقوقها وأن امتنا ستعود إلى مواقعها حاملة رسالتها السامية.

فاتحة مقالات الكتاب كانت مع مادة كتبتها الدكتورة العطار حملت عنوان “رسالة وجوابها” وجاءت بأسلوب وجداني طافح بالوطنية والتحدي إبان حصار جيش الاحتلال لبيروت سنة 1982 تقول فيها بما يشبه حديثنا اليوم “في هذا الزمن الذي تبقى فيه سورية وحدها وتقاتل (إسرائيل) وحدها وتبقى فيه المقاومة الفلسطينية وحدها وتقاتل (إسرائيل) وحدها.. في هذا الزمن تكبر يا وطني كالمارد في الأسطورة وكالرخ في الخرافة وكالحقيقة في عصر الأمم”.

وفي مقالة ثانية كتبتها في الذكرى الثالثة لحرب تشرين التحريرية سنة 1976 تتحدث العطار بما يشبه التكهن للمخططات التي نفذتها الولايات المتحدة في منطقتنا عبر عرض دراسة لمعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن بأن التسوية الأمريكية لأزمة الشرق الأوسط تتطلب خلق انشغالات جديدة للعرب تلهيهم عن مجابهة العدو الإسرائيلي وعزل المقاومة الفلسطينية سياسيا وعسكريا.

وعندما تكتب الدكتورة العطار في مجال تخصصها فإنها لا تهادن وتسمي الأمور بأسمائها مع مقال نشرته سنة 1979 بعنوان “إلى أبطال مصر لن تركعوا ولن نركع” حين تشير بالاسم إلى مثقفين وكتاب عرب هادنوا كيان الاحتلال ودعوا إلى التطبيع معه ونسوا أنه عدو محتل يغتصب حقوقنا ويشرد أهلنا.

وتؤكد العطار قوة سورية الذاتية الرادعة في مقال لها صدر عام 1979 مبينة أن عبء الصمود ملقى على عاتق سورية وحدها التي ظلت في كل تاريخ النضال العربي حاملة القسط الأوفر من المجابهة مع العدو الإسرائيلي ومع أمريكا والإمبريالية العالمية مثبتة في الكفاح الطويل الذي خاضته أنها قادرة على مقاومة الأعداء جميعا لتبقى القضية العربية حية حتى لو تخلى عنها الجميع.

ولأن المؤامرة على سورية التي عاشت أحداثها العطار في ثمانينات القرن الماضي تكررت بلبوس آخر في العقد الفائت فإنها تؤكد على قراء اليوم ما تتحلى به سورية من ثبات وصمود لا مثيل لهما ففي مقال لها نشرته سنة 1980 تقول “ليعرف الأعداء جميع الأعداء أن وحدتنا الوطنية الداخلية رغم التمزق العربي ورغم الهجمات المسعورة على سورية ورغم جميع المؤءامرات والافتراءات هي وحدة وطنية راسخة.. والذين اكتشفوا أن قوتنا الذاتية في وحدتنا الوطنية فاندفعوا يطلقون على هذه الوحدة من الداخل والخارج سيكتشفون أيضا أن هذه الوحدة القائمة فعلا الراسخة رسوخا أمنع من أن يذهب بها شيء وأقوى من أن يوهنها موهن وأعز على القلوب والنفوس من أن تطالها مكائد”.

وبلغة مفعمة بالعاطفة وبالحب لتراب طاهر لبقعة سورية غالية وصفت الدكتورة العطار في مقالة نشرتها سنة 1982 بعنوان “كنت في مجدل شمس” زيارتها مدينة القنيطرة والجانب السوري من حدود الجولان المحتل مع صحبة نساء من سورية وأقطار عربية وانطباعاتها عن الروح والمكان ومشاعر الناس بأسلوب أدبي رقيق لكنه صلب فتقول “وتتعالى الهتافات وتتسارع الخطى وتخطفنا الحماسة وبين الشعب الخضر والأزهار البرية تتناثر بقع حمراء ترى ولا ترى تتألق وتختفي تذكر وما نسينا تئن وتصرخ إنها دمنا هنا دمنا”.

بقي أن نشير إلى أن الكتاب صدر جزؤه الأول عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 335 من القطع الكبير.

سانا