كشفت تقارير الغرف الصناعية والتجارية عن تزايد أعداد المنازعات التجارية والاستثمارية في المحاكم المتخصصة، وفي مراكز التحكيم المنتشرة في العاصمة دمشق ومختلف المحافظات، وهو ما يقرؤه الخبراء على أنه مؤشر مهم على عودة الحياة الاقتصادية وبداية انتعاش تدريجي لقطاع الأعمال بعد سنوات كمون فرضتها ظروف الأزمة.
و تؤكد التقارير أن الحركة التجارية وبدرجة أقل النشاط الاستثماري، اتخذ اتجاهاً تصاعدياً يمكن وصفة بـ ” الجيد” قياساً بالظروف الراهنة وملامح التعافي التي بدأت لكنها لم تكتمل بعد، في إشارة إلى احتمال تزايد المنازعات في القادمات من الأيام والأشهر مع تحسّن بيئة الأعمال والتوازن الذي بدأت تشهده البلاد على مختلف الصعد.
بدورها أكدت مصادر وزارة العدل أن نشاطاً مكثفاً بدأت تشهده المحاكم التجارية والاستثمارية، وكذلك مجلس الدولة ومراكز التحكيم المتخصصة لفض منازعات تتزايد تباعاً في سياق إعادة ترتيب العلاقات في قطاع الأعمال، لافتةَ إلى أن الاستثمار كما مختلف الأنشطة الاقتصادية يحتاج مناخاً مستقراً، ومقومات تضمن حماية حقوق وأملاك المستثمر، وأول هذه المقومات الضمانات القانونية والقضائية، ووجود قوانين ناظمة لأحكام الاستثمار: (قانون الاستثمار، وقانون الاستثمار في المناطق الحرة، وقوانين التحكيم والتجارة والشركات)، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالاستثمار التي تعقدها الدولة مع بقية الدول، إضافة إلى الامتيازات التي تمنحها الدولة للمستثمرين، ووجود قضاء فعال ومستقل.
وتعتبر المصادر أن التوجه لتأسيس شركات جديدة، وتنشيط شركات أوقفت أعمالها مسبقاً، جعلا أكثرية النزاعات حالياً متعلقة بالمتاجر (ملكيتها واستثماراتها)، مقابل تراجع في الدعاوى المتعلقة بالمشاريع والاستثمار، مشيرةَ إلى أن المحكمة التجارية تنظر حالياً بـ 1800 دعوى، حيث يرد شهرياً 160-170 دعوى، وهي تتنوع بين خلاف الشركاء، أو خلاف الشركات مع أشخاص وشركات أخرى، والدعاوى القائمة بين المصارف غير السورية والمواطنين السوريين، وهذا يرتب حرصاَ لدى الوزارة على أن يكون عدد الدعاوى المفصولة سنوياً يزيد على عدد الدعاوى الواردة، حيث تمً في عام 2020 فصل ما يقارب 1300 دعوى.
وتطمئن المصادر على مؤشّر اقتصادي مهم، وهو أن دعاوى الإفلاس نادرة جداً، نظراً لطبيعة العمل التجاري، وتجنب الشركات هذا الأمر، ولا سيما في ظل وجود بدائل لحل النزاعات كشركات تحصيل الأموال، أو التحكيم، أو بعض الطرق الودية التي لجأ إليها التجار لتفادي اللجوء للقضاء وإعلان الإفلاس، موضحةَ أن حالات التعثر ليست فردية، إنما كانت على نطاق واسع بين التجار خلال السنوات الماضية، ما جعلهم “يقدرون ظروف بعضهم” بدل اللجوء للمحاكم، وخاصة أن إشهار الإفلاس يجرد الشخص من حقوقه المدنية والسياسية، ويرفع يده عن إدارة أمواله بشكل كامل، ومازال عدد حالات الإفلاس يعد على أصابع اليد الواحدة، ويحدث عند عجز الشخص نهائياً عن تسديد التزاماته المالية، أو إذا كان دعم الثقة بالتاجر عبر وسائل غير مشروعة، فيضطر التجار والدائنون للطلب منه إعلان إفلاسه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن الحكم على طرف بالدعوى بسبب غيابه فقط، فالمشاريع التي تركها أصحابها وغادروا خارج القطر تخضع كأي دعوى لكل المراحل، والإثباتات التي يقدمها الخصم، ولا يصدر الحكم إلا بناء على أدلة ثابتة حد اليقين.
بدورهم يشير عدد من رجال الأعمال أن الأعراف التي تسود بين التجار تقلل من وصول المنازعات إلى المحاكم، ولاسيما في دمشق، إذ يحتكمون إلى مجموعة من الأعراف التجارية الناظمة لعملهم فيما بينهم، ويتحفظ عدد منهم على التناقض في بعض الأحيان بين العرف والقانون، فالعرف التجاري يشكّل أحد مصادر التشريع التاريخية، وبذلك استقى القانون الكثير من مواده من الأعراف التجارية، وفي حال ظهور اختلاف يطبق النص القانوني، وكمثال على الحالات القليلة للاختلاف، يسمح العرف للمعاملات التجارية أن تكون دون عقد خطي، أما القانون فشدد على أن بيع وشراء العقود في المتجر لا يتمان إلا كتابة.
يُذكر أنه ومنذ إصدار القانون التجاري عام 2007 لم يجر عليه أي تعديل حتى الآن، وهو القانون الذي تعتبره وزارة العدل حالياً ملائماً وشاملاً، فأحكامه تتضمن كل النزاعات تقريباً، لكنه قد يتطلب بعض التعديلات مستقبلاً، مع تعقيد العلاقات التجارية، على عكس قانون الشركات الذي يحتاج تعديلاً عاجلاً لبعض مواده المتعلقة بتصفية الشركات، فالمواد مختصرة، ولم تغط تصفية الشركات بشكل كامل، ويتم الاعتماد بشكل كبير على الاجتهادات القضائية.
الثورة