ما من أحد يزور دمشق إلا وكان سوق الحميدية على قائمة الأماكن السياحية التي لابد من زيارتها في رحلة تفصلك بشكل مؤقت عن العالم الخارجي عبر دهليز يوصلك إلى إرث موغل في القدم
لمدخله هيبة تستشعرها لحظة تقع عيناك عليه تميزه من بعيد بمدخل ذي سقف عال يرتاح عليه الحمام الدمشقي وعلى جانبي المدخل حيطان من الحجر المعتق مازالت تقف بصلابة وثقة ضمن أسوار دمشق القديمة بُني على مرحلتين الأولى عام ١٧٨٠ في عهد السلطان عبد الحميد الأول وامتدت بين باب النصر ومدخل سوق العصرونية وسمي هذا الجزء حينذاك بالسوق الجديدة التي شيدت مكان السوق القديم المسمى بسوق الأروام أما المرحلة الثانية فقد تمت في عام ١٨٨٤ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني كتوسيع للسوق الجديدة وقد امتدت من باب العصرونية وحتى باب البريد، ليستقرفي قلب المدينة القديمة متكئا على قلعة دمشق من الجهة الشمالية وبطول مايقارب ٦٠٠م لاتميز آخره وعرض ١٥ م يسلك محور الطريق الروماني المؤدي إلى معبد جوبيتير وبقاياه المرمرية الصامدة منذ زمن الاغريق على شكل بوابة أثرية وأعمدة رخامية باسقة، أما امتداده في الزمان فيقال انه يعود ل٢٤٠عاما مشكلا مجمعا تجاريا وصناعيا هاما للكثير من البضائع و الصناعات التراثية لأصحاب المهن القديمة والمأكولات الشعبية في قلب المدينة القديمة حيث يحتوي على أكثر من ٥٠٠ حانوت بالإضافة إلى المحال المتلاصقة التي تضج بالأصالة الشرقية المتوارثة، وعلى جانبي السوق معروضات متنوعة من الأزياء والاقمشة المختلفة والمطرزات وادوات الزينة والمأكولات والمشروبات الشعبية والاعمال اليدوية والسجاد الشرقي الثمين والمصنوعات التراثية التي تشتهر بها دمشق كالقطع النحاسية والموزاييك والاربيسك والمصدّفات والسيوف الدمشقية والاسلحة المطعّمة بالذهب والفضة إضافة للتحف الشرقية التي اصبحت شيئا اساسيا يقتنيها السياح تساعدهم بالحديث عن دمشق وجمالها.
تستطيع أن تعقد النية على الدخول إليه دون أن تشتري شيئاً لكنك يستحيل أن تقوى على ذلك فلو نجحت بأن لا تلين أمام رائحة المأكولات والوانها الجذابة ستلين للطف وخفة دم الباعة أو نجاحهم في إغرائك بأهمية البضاعة وجمالها فتجد نفسك متبضعا بثمن مخفض يرضيك ويفي غرضك، ولن يطول السير طويلا حتى يستوقفك محل البوظة الشهير (بكداش) في وسط السوق وهو أشهر متجر لبيع البوظة في العاصمة منذ عام١٨٨٥ يبيع أنواع البوظة المصنعة بطريقة الدق باستخدام مايشبه المهباج الضخم الذي تسمع صوته عن بعد أمتار قبل وصولك إليه
حضارة أصيلة لا تنتهي في أقدم الأسواق المسقوفة في العالم حيث السوق غير مضاء نهارا لكنه مغطى بالكامل بسقف من حديد مليء بثقوب صغيرة تساعدك تلك الثقوب الصغيرة الموجودة في سقفه الحديدي على وضوح الرؤية حيث تفسح الطريق لخيوط الشمس أن تدخل فتنير المكان داخل السوق وهناك روايات كثيرة تتحدث عن مصدر هذه الثقوب وإحدى هذه الروايات ان السكان كانوا يطلقون الاعيرة النارية خلال الاعراس الشامية والعراضة ماأحدث هذه الثقوب التي تنير ارضيته المعبدة بالبازلت الأسود
لم يزر دمشق من لم يعرّج على درّة أسواق الشرق وأكثرها جمالا” سوق الحميدية” حيث عبق الأصالة يفوح من تلك الجدران التي تحكي لطفاً وحميمية وكرما لينساب في ذاكرة الأجيال مذكرا إياها بتراث ضارب جذوره في عمق التاريخ السوري.
اعداد: مجد حيدر