إطلالة سورية،،السيف الدمشقي

في ساحة حملت مجد الدولة الأموية يستقبلك نصب تذكاري لسيف تميزت وتفردت دمشق بصناعته  عبر العصور ومازالت تحتفظ باسراره حتى الآن


نصب السيف الدمشقي الذي يمره السوريون اليوم في عاصمتهم ذهابا وايابا، واحدٌ من أشهر رموز دمشق المعمارية شُيد مطلع ستينيات القرن العشرين تزامنا مع دورة معرض دمشق الدولي السابعة يتألف من واجهتين متقابلين صممها الفنان عبد القادر ارناؤوط الغربية منها تطل على ساحة الامويين والشرقية تشرف على منطقة سوق البيع وباب المعرض وعُرف منذ بداية تشييده  بأنه منصة أعلام الدول المشاركة في معرض دمشق الدولي من خلال وضع لوحات من البلاستيك الشفاف بداخله وعليها أعلام للدول المشاركة وتُغير في كل عام حسب المشاركات  لكن مع تبدل وظيفة النصب بانتقال معرض دمشق الدولي إلى الغوطة كُلف الفنان إحسان عنتابي بتجديد واجهتيه فاستخدم الزجاج المعشق و استبدل الأشكال الهندسية المجردة بشكل زخرفي يمزج بين النار والوردة ليكون هذا النصب من أهم وأكبر واجهات الزجاج المعشق في العالم و رمزا لدمشق التي اشتهرت بصناعة السيوف ومنحت تلك الصفة سحرا وسرا خاصا ظل محيرا لقرون ليغدو السيف الدمشقي متميزا بهالة سحرية تمنحه  صلابة ومرونة وجمالا بالشكل وروعة في التصميم ومن يحمله فارس لايقهر لأنه يحمل سيف الإله حدد” إله الحرب السورية، تقول الأسطورة السورية القديمة إن إله الخصب والمطر (حدد) كان يرسل إلى الدمشقيين برقا يضرب به جبل قاسيون فيترك في ترابه آثارا هي عبارة عن نترات حديدية يخرج بعدها صناع السيوف الدمشقيون ليستخرجوها وليبدؤا اولى خطوات صناعة هذا السيف عبر تجميع تلك النترات التي يتركها البرق في تراب الجبل لتشكل العنصر الأول في صناعة السيف فتجبل بمزيج لا يعرفه سوى شيخ الكار، بعد ذلك تؤخذ العجينة وتوضع في بوتقة، وتشوى بالنار شيّاً دقيقا حتى تلين ويستطيع بذلك الصانع أن يدقها ويشحذها ويطوعها بالصورة والشكل الذي يريده، ويُدخل فيه تموجات تميزه عن غيره من السيوف، ثم يسن ويُلمع وتكتب عليه كلمات تخاطب الإله حدد، تتضمن صلوات وعبارات تشير إلى أن من يحمل هذا السيف لايخسر حربا وخصوصا اذا كان يخوضها في سبيل الإله حدد، وفيما بعد باتت تنقش عليه أبيات شعر وآيات قرآنية ويزين بالاحجار الكريمة،

عندما يذكر السيف العربي ترتسم أمامك صورة السيف الدمشقي وتجري في خيالك أمجاد العرب التي تحققت بفضله هو سيف الفتوحات الإسلامية ونستذكر هذه العبارة
“سيف العرب حرٌ لايهان “التي كان يزأر بها صلاح الدين الأيوبي ممسكا بسيفه الدمشقي المعروف بصلابته ومرونته التي تشبه السحر فهو من أقوى سيوف العالم وليس له مثيل
اقترن السيف الدمشقي باسم أشهر صانعي السيوف “أسد الله الدمشقي”الذي برع وتفنن في تشكيله وجعله يشبه حراشف السمك ونال شهرته في القرن الثامن الميلادي عندما واجه أهل الشام الحملات الصليبية بسيوف أحدث من سيوفهم البدائية وكانت تكمن قوته في كونه مزيج من معدنين طري وقاس جدا متحدين معا عن طريق الجدل والصهر والطرق بالإضافة إلى مزاياه الأخرى الانحناءة والمرونة التي كانت تعطي المقاتل حرية كبيرة في القتال إضافة إلى أنه لايصدأ ابدا لذلك سمي بالجوهر، ومن هنا بلغت شهرة السيف الدمشقي الآفاق وغزا دول العالم كأجود وأثمن السيوف في تقنياته ومرونته أثناء القتال
تشير المدونات التاريخية إلى أن تراجع صناعة السيوف الدمشقية بدأت في القرن الخامس عشر الميلادي عندما اجتاح القائد المغولي تيمورلنك دمشق وأخذ معه إلى سمرقند نحو خمسة عشر ألفا من أشهر حرفي صناعة السيوف فيما يعزو مؤرخون تراجع هذه الصناعة أيضا إلى السرية التي يتعامل بها صناع السيوف المشهورين في البلاد وسط مخاوف حقيقية من ضياع هذه الحرفة في حال استمرار توريثها من سلسلة الأب إلى الولد فقط، ومع بداية القرن الماضي تحولت السيوف الدمشقية من أسلحة إلى تحف تراثية خاصة بدمشق وتُحمل كهدايا ومقتنيات مع السياح والمغتربين
لم تبح السيوف الدمشقية بعد بكل أسرارها فظلت عبر قرون طويلة لغزا مستعصيا على الحل ورويت حولها الأساطير والقصص لكن ماهو مطالب به ضرورة الحفاظ على هذه الكنوز من الانقراض خصوصا وان الخبراء يقرون بأنه لم يُنتج مثيلها حتى الآن وزمنها من يدري قد يعود…

اعداد: مجد حيدر