أشهر أغنية وطنية في سورية ولبنان غنّاها الجميع ولم يكتبها ولم يلحنها أحد ولم تُنسب لمطرب ؟؟

لعلّها من أشهر الأغاني الوطنية في سورية ولبنان والتي تعود، بحسب الرواية الشعبية، إلى يوم السادس من أيار سنة 1916، عندما غُنيت بشكل عفوي من قبل الأهالي، إثر اعدام أكثر من عشرين رجلاً من قادة المجتمع السوري واللبناني، من مثقفين وسياسيين وضبّاط، في ساحات بيروت ودمشق.

نعرف أسماء الشهداء جيداً وكذلك اسم من أمر بإعدامهم، وهو الحاكم العسكري العُثماني الشهير جمال باشا، عضو جمعية الاتحاد والترقي الحاكمة في إسطنبول منذ عام 1908. ولكننا لا نعرف اسم ملحّن هذه الأغنية ولا المغنّي ولا المؤلف، ولا حتى إن كانت هذه الرواية حقيقية أم مجرد خيال.

بعيداً عن العواطف ورمزية هذه القصة الجميلة التي يتوارثها السوريون واللبنانيون عبر الأجيال، كان من المستبعد خروج الناس من بيوتهم في ذلك اليوم التاريخي، ليغنّوا تحدياً في شوارع مدنهم الثكلى، وأمامهم جثث هامدة لأعيانهم ومثقفيهم وزعمائهم الكبار، معلقة على أعمدة المشانق، تتمايل مع الرياح.

الخوف كان سائداً بشدّة حينها والثورة العربية الكبرى لم تكن قد بدأت، وأي تحرّك من هذا النوع كان يحتاج إلى قائد، حتى لو كان من بسطاء القوم، قادر على حشد الناس ووضع كلمات الأهزوجة وتحفيظها لهم. ولا يوجد أي إشارة في كتب التاريخ لهكذا شخص في شوارع دمشق أو بيروت يوم 6 أيار 1916.

وحتى بعد إعلان الثورة العربية في صيف ذلك العام، كان عدد المنتسبين إليها متواضعاً في البداية، بسبب الخوف المهيمن على المجتمعين السوري واللبناني.

وكيف لجمال باشا أن يقبل بهكذا تحدٍّ من بسطاء المدن، بعد أن أمر بشنق جميع قادتهم؟ وكان في مقتل الأعيان رسالة واضحة لعامّة الشعب، أن أحداً لن يسلم من العقاب، مهما علا شأنه في المجتمع الدمشقي، في حال تعرّضه للسلطان أو السلطنة.

الرواية المنطقية هي أن أغنية “زيّنوا المرجة” لم تُطلق في 6 أيار 1916 بل بعدها بعشر سنوات، يوم قتل الشهيد أحمد مريود في قرية جبّاتا الخشب في الجولان.

يومها كان هناك حراك حقيقي في مدينة دمشق ومجتمع مدني قادر على إطلاق مبادرة شجاعة من هذا النوع، تقوده شخصيات وطنية متعلّمة وفعّالة ومنفتحة على تجارب العالم، مثل الطبيب عبد الرحمن الشهبندر، خريج جامعة بيروت الأميركية، وصديقه حسن الحكيم، خريج كبرى جامعات إسطنبول.

بعد مقتل مريود، تم نقله إلى دمشق لعرض جثمانه أمام الناس، بهدف إرهابهم واسكاتهم. فخرج الدمشقيون من بيوتهم لتحية الجثمان، وكان ذلك في السنة الثانية من الثورة السورية الكبرى.

رشّوا أرض المرجة بماء الزهر ووضعوا وروداً عند أقدام الشهيد مريود وهم يغنّون: “زيّنوا المرجة”.

لا نعرف ما هي كلمات الأغنية الأصلية التي أطلقت يومها، لأن النسخة الحالية من “زيّنوا المرجة” هي من تأليف الفنان دريد لحام، الذي أحياها في سبعينيات القرن الماضي وأضاف عليها فقرات جديدة مثل: “أصايل أصايل… جدايل جدايل” و”بسماك البشاير بأرضك نواير”، ثم جاء المرحوم منصور الرحباني وطورها مجدداً في مسرحية “صيف 840” التي عُرضت سنة 1988، وغنى فيها المطرب اللبناني غسان صليبا “زيّنوا الساحة”.

شهداء دمشق كانوا كلهم دمشقيين باستثناء شهيد واحد من ريف دمشق، أما شهداء بيروت فكانت هوياتهم مختلطة، منهم بيارتة ومنهم دمشقيون، ومعهم مواطن يوناني مقيم في بيروت وشخصيات وطنية من يافا والقدس وصيدا.

تم تحويل هذا اليوم إلى ذكرى سنوية يحتفل بها أهالي سورية ولبنان منذ نهاية الحكم العثماني سنة 1918.

شهداء دمشق كانوا كلهم دمشقيين باستثناء شهيد واحد من ريف دمشق، أما شهداء بيروت فكانت هوياتهم مختلطة، منهم بيارتة ومنهم دمشقيون، ومعهم مواطن يوناني مقيم في بيروت وشخصيات وطنية من يافا والقدس وصيدا.

في 1 تشرين الأول من ذلك العام، دخل الأمير فيصل بن الحسين مدينة دمشق، مُعلناً تحريرها بالكامل من الحكم العثماني وإقامة حكومة عربية في داخلها باسم أبيه، الشريف حسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى. توجّه فيصل إلى ساحة المرجة لقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء 6 أيار، وقرّرت الحكومات السورية واللبنانية المتعاقبة من بعده اعتماد هذا اليوم عيداً وطنياً لشهداء سورية ولبنان كافة.

مع مرور كل سنة، كانت قائمة الشهداء تكبر، وقد أضيف إليها جميع شهداء المظاهرات ضد الفرنسيين بعد سنة 1920، وجميع ثوار سورية خلال ثورتهم الوطنية الكبرى.

ثم جاءت حرب فلسطين الأولى سنة 1948، التي شاركت بها فرق من الجيشين السوري واللبناني، واستشهد خلالها عدداً كبيراً من رعايا البلدين.

ظلّت اللجنة المنظمة لعيد الشهداء تذكر اسم كل شهيد، مع تفاصيل عن أسرته وعمره ومكان استشاده، ولكن هذا التوثيق توقف عند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975، عندما كثر الموت في لبنان ولم يعد باستطاعة أحد إحصاء الشهداء وتتكرر ذلك مع اندلاع الحرب السورية سنة 2011.

ساحات غُيّرت معالمها لم يبق من عادات العيد الأصلي اليوم إلّا أغنيتي “زيّنوا المرجة” في دمشق و”زيّنوا الساحة” في بيروت، فحتى الساحات تغيّرت وفقدت الكثير الكثير من معناها.

بالرغم من محافظة ساحة المرجة على اسمها، صارت مركزاً لاعدام المجرمين لا الشخصيات الوطنية، وقد بدء هذا العُرف في الأربعينيات واستمر حتى نهاية السبعينيات، عندما قرّرت السلطات السورية إلغائه لأنه مؤذٍ للنظر، مرعب للأطفال وطارد للسواح. وكان أشهر “مجرم” أعدم بساحة المرجة هو الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين سنة 1965.

وبعدها بدأت الساحة الدمشقية تفقد الكثير الكثير من خصوصيتها ورمزيتها، بسبب هدم الأسواق العتيقة المحيطة بها والسماح بفتح خانات وفنادق صغيرة من فئة النصف نجمة، التي تحوّلت مع الوقت إلى بيوت بغاء، لا يرتادها إلّا الطبقة الفقيرة من السيّاح وأهالي البلد.

حتى أن تصميم الساحة طرأ عليه تغيرات كبيرة، بالرغم من بقاء العمود الشهير وسطها. ظهرت حولها أبنية حديثة ولكنها فاقدة لأي ذوق أو جمالية، مبنية على الطراز السوفيتي القديم، مثل بناء الفراديس وبرج دمشق، وأُهملت الأبنية الأنيقة المتواجدة في جوارها، مثل بناء العابد العريق.

وفي بيروت، كانت الحالة مماثلة. خلال الحرب الأهلية، تحوّلت ساحة البرج الجميلة إلى خط تماس بين ميليشيات الحرب الأهلية، وصار محيطها عبارة عن ركام. وكان لبنان قد شيّد نصباً تذكارياً للشهداء الساحة الأصليين في مطلع عهد الانتداب الفرنسي، وضعه النحّات يوسف حويّك، وهو تمثال لسيدتين لبنانيتين، واحدة مسيحية والثانية مُسلمة، تندبان على قبر.

ولكنه أزيل لاحقاً واعتبر أنه كان يرمز للخنوع والذل.

لم يبق من عادات اليوم الأصلي إلّا أغنيتي “زيّنوا المرجة” في دمشق و”زيّنوا الساحة” في بيروت، فحتى الساحات تغيّرت وفقدت الكثير الكثير من معناها.

فتحولت ساحة “المرجة” في دمشق لفنادق بغاء، وساحة “البرج” في بيروت لخط تماس بين ميليشيات الحرب الأهلية وفي سنة 1952، أعلنت حكومة الرئيس صائب سلام عن جائزة دولية لوضع تصميم جديد لساحة الشهداء، وتم اعتماد قوس بارتفاع 27 متراً وعرض 24 متر وتحته مسلة ارتفاعها 8 أمتار، تعلوها مصطبة على جانبيها شعلتان دائمتا الاشتعال، إلا أن الثورة ضد الرئيس كميل شمعون أنهت العمل بهذا المشروع سنة 1958.

ثم جاء التصميم الحالي في عهد الرئيس فؤاد شهاب سنة 1960، الذي وضعه النحّات الإيطالي مارينو مازاكوراتي، وهو عبارة عن تمثال امرأة ترفع مشعلاً بيد وتحيط بيدها الأخرى شاب، وعلى الأرض أمامها ووراءها شهيدان.

وأخيراً كان تفجير مرفأ بيروت قبل تسعة أشهر، الذي زاد من أعداد شهداء بيروت وحطم أبنية عريقة في جوار ساحتها، منها طبعاً، مبنى جريدة النهار.

شهداء دمشق

1. شفيق مؤيد العظم (55 عاماً)، أديب وعضو مجلس نواب عثماني (مجلس المبعوثان).

2. عبد الحميد الزهراوي (61 عاماً)، صحفي وسياسي وعضو مجلس مبعوثان.

3. الأمير عمر الجزائري (50 عاماً)، ابن الأمير عبد القادر الجزائري، سياسي ووجيه وعضو مجلس مبعوثان.

4. سليم الجزائري (37 عاماً)، ضابط في الجيش العثماني.

5. شكري العسلي (48 عاماً)، صحفي وسياسي وعضو مجلس مبعوثان.

6. عبد الوهاب الإنكليزي (38 عاماً)، محام ورجل دولة. 7. رفيق سلوم (25 عاماً)، شاعر.

8. رشدي الشمعة (51 عاماً)، كاتب ووجيه وعضو مجلس مبعوثان.

شهداء بيروت

1. عبد الغني العريسيي من بيروت (26 عاماً)، صحفي وأديب.

2. عمر حمد من بيروت (23 عاماً)، شاعر.

3. سعيد فاضل عقل من الدامور (28 عاماً)، صحفي وأديب.

4. جرجي حداد من جبل لبنان (36 عاماً)، صحفي وأديب.

5. أمين لطفي الحافظ من دمشق (37 عاماً)، ضابط في الجيش العثماني.

6. محمود جلال البخاري من دمشق (26 عاماً)، سياسي ونجل مُفتي الجيش العثماني.

7. الأمير عارف الشهابي من حاصبيا (27 عاماً)، سياسي وصحفي.

8. علي النشاشيبي من القدس (33 عاماً)، طبيب وضابط في الجيش العثماني.

9. سيف الدين الخطيب من دمشق (27 عاماً)، سياسي وشاعر وأديب.

10. توفيق بساط من صيدا (28 عاماً)، شاعر وضابط في الجيش العثماني.

11. محمد شنطي اليافي من يافا، سياسي.

12. أحمد طبارة من بيروت (46 عاماً)، صحفي وشيخ وخطيب جامع النوفرة.

13. نور الدين القاضي من بيروت (32 عاماً).

14. بيترو باولي من اليونان (30 عاماً)، صحفي وخطيب الصحفية السورية ماري عجمي.

Damas2day