حكواتي رمضان،،حكايات من سالف الزمان

مهنة تعود لأيام بعيدة تتغذى على حب المطالعة وعشق اللغة العربية وإتقانها وتتطلب عاشقا عتيقا لأحداث السّير الشعبية القديمة يتعلق قلبه بحبكاتها المنسوجة بدقة وإتقان وتجول روحه بين سردياتها فيجمعها كلها بين أركان ذهنه ويصر على أن ينقلها لرواد المقاهي ليعيدهم بنبرة صوته التي تتعالى وتنخفض مع حرارة الأحداث إلى زمن العراقة والبطولة
بلباسه التقليدي المميز وصدى صوته الذي يعبق برائحة الماضي ومن على كرسي عالٍ في صدر المقهى يجلس الحكواتي متأبطاً كتاب حكايات تعود إلى مئات السنين كتبت كلها بخط اليد والحبر الأسود على ورق أصفر باهت اهترئت أطرافه بهذا المشهد يقدم نفسه من يمتهن مهنة الحكواتي القديمة التي عرفتها معظم بلدان العالم إلا أن أحدا لم يمارسها ويحافظ عليها كما فعل أبناء الشام فقد بقيت هذه المهنة تلقي بظلالها محافظةً على تقاليدها وعراقتها لدى المجتمع الدمشقي


الحكواتي شخصية واحدة جسدها كثيرون، عرفت منذ مطلع القرن التاسع عشر في بلاد الشام وسادت ردحاً من الزمن يوم كانت تلك البلاد لاتزال بكراً لم تنل حظها بعد من وسائل التسلية
والمتعة ولم يكن لها من مُسَلٍّ في ليالي شتائهم الباردة وليالي صيفهم المقمرة غير الحكواتي الرّاوي للسِّير والحكايات الشعبية بسردٍ تتمازج فيه الحقيقة مع الخيال والمعروف وحده هو الأبطال بأسمائهم الأولى والقابهم المثيرة منهم أبو زيد الهلالي عنترة بن شداد الظاهر بيبرس وأسماء تاريخية مشهورة ببطولاتها حيث يقدمها الحكواتي بأسلوب  يرتجل فيه الحوار ارتجالاً مثيراً للعاطفة منتزعاً إعجاب رواد المقهى الذين كانوا مجموعة من بكوات الحارة بالإضافة إلى عامة الناس حيث يتجمهروا حوله وهم ينظرون له ويستمعون لحكاياته ويجذبهم من خلال الحركات المدروسة التي يقوم بها عند الفرح والغضب حيث كان الناس في المقهى عند حديث الحكواتي ينقسمون إلى فئة تناصر البطل وتتحمس له وفئة أخرى تعارضه وهو ماكان يسبب في بعض الأحيان وقوع خلافات بين الطرفين فيقوم الحكواتي باستغلال ذلك ويحبك القصة ويصعّد الأحداث إلى أن تتوقف عند عقدة يكون فيها البطل في موقف حرج على أمل اللقاء بهم في اليوم التالي ليتابع لهم السهرة، وفي حادثة أُخِذت عن أحد الحكواتية “أنه توقف ذات مرة في مثل ذلك الموقف وترك عنترة يعاني في القصة مايعانيه فماكان من أحد أنصار عنترة وقد طار النوم من عينيه إلا أن توجه ليلاً إلى دار الحكواتي وأيقظه متوعداً ومهدداً إذا لم يُخرج البطل من ذلك الموقف”
حظيت هذه المهنة بشعبية كبيرة جعلها جزءا من التراث الشعبي ومن اهم المقاهي التي كانت تعرف الحكواتي  مقهى حي الصالحية وحي العمارة وحي السويقة ومقهى النوفرة في دمشق حيث كان عمله يتواصل على مدار السنة لكن خصوصيته  في شهر رمضان حيث إن الصائم بعد الصيام والتهجد والتعبد كان يحتاج إلى وقت للراحة والترويح عن النفس فكان يجد ذلك في جلسة الحكواتي و  بمواضيعه التي تتناسب مع الشهر الفضيل والقيم التي يمثلها ويجسدها أبطال رواياته ليوصل للناس بطريقة غير مباشرة رسائل  تركز على القيم الحميدة مسترجعاً لشهر رمضان والسهرات الدمشقية العريقة أجواء الماضي ومازالت مهنة الحكواتي متواجدة رغم كل المتغيرات التي حصلت مع وجود القنوات الفضائية والانترنت وجميع وسائل الترفيه الحديثة تقدم فنها وتحكي حكاياتها لذواقة التراث الذي يعتبرونه تقليدا شعبياَ لا يمكن الاستغناء عنه حتى أن بعض السياح الأجانب يتمتعون بهذا الطقس الشعبي مع مرتادي المقاهي حيث كان جمهور الحكواتي في الماضي يقتصر على الرجال أما اليوم يقصده الرجال والنساءو حتى من مختلف الأعمار.
مهنة الحكواتي مهنة إعادة الازمنة في الحكايات يمكن أن تكون قد قلّت بعض الشيء إلا أنه ما يفتأ أبناء هذه المهنة على احيائها على أمل إعادة ماتبقى من ذكريات ذلك الزمن الجميل

اعداد: مجد حيدر