لقد أثبتت سلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعية الأخيرة في الولايات المتحدة مرة أخرى أن البلاد، التي تعلن نفسها دائما على أنها مدافعة عن حقوق الإنسان، هي في الواقع منافقة، إذ يستمر معدل عنف الأسلحة المميت في الازدياد في حين أن انتشار الأسلحة لا يزال متفشيا.
ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس الماضي عنف الأسلحة في البلاد بأنه “وباء” و”إحراج دولي”، وسلط الضوء على أزمة حقوق الإنسان المزمنة التي وصلت إلى أبعاد وبائية وابتليت بها الولايات المتحدة لفترة طويلة.
على مدار الأسابيع القليلة الماضية، شهدت البلاد عمليات إطلاق نار جماعية تحدث على نحو متتابع تقريبا في أورانج وكاليفورنيا وبولدر وكولورادو ومنطقة أتلانتا في جورجيا ووسط تكساس.
وحتى 7 إبريل، قُتل 11535 أمريكيا بسبب عنف الأسلحة هذا العام، وفقا لبيانات من أرشيف عنف الأسلحة. وفي العام الماضي، تجاوز عدد ضحايا عنف الأسلحة 435 ألفا، من بينهم قرابة 300 طفل، أكثر من أي عام آخر خلال عقدين على الأقل.
وعلى الرغم من رفض واشنطن إلى حد كبير تحميلها المسؤولية عن الأزمة المدمرة، فإن فشلها في حماية مواطنيها من عنف الأسلحة كان يخضع باستمرار للمراجعة والنقد من جانب هيئات حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
تم إدراج “الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي” في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948. وتأتي “الحياة” أيضا قبل “الحرية والسعي لتحقيق السعادة” من بين الحقوق الثلاثة غير القابلة للتصرف المنصوص عليها في إعلان الاستقلال.
لكن على مدى عقود، فشلت واشنطن في الوفاء بالوعود القانونية التي قطعتها لشعبها. وغالبا ما يتفوق الحق في حمل السلاح على الحق في الحياة نتيجة الضغط القوي من قبل مجموعات الضغط مثل الجمعية الوطنية للبنادق، مما يؤدي إلى إقامة حاجز رئيسي أمام تشريعات مراقبة الأسلحة.
وتؤدي العوامل القانونية والسياسية والثقافية المعقدة المتعددة إلى ارتفاع معدل عنف الأسلحة في الولايات المتحدة.
والأمر الأكثر وضوحا هو أنه من السهل بشكل غير معقول الحصول على البنادق في البلاد. حتى أن دعاة السيطرة على انتشار الأسلحة أعربوا عن أسفهم لأنه “من الأسهل شراء سلاح بدلا من التسجيل للتصويت” في الولايات المتحدة، التي تعتبر نفسها نصيرة للحرية وحقوق الإنسان.
ونتيجة لذلك، كان انتشار الأسلحة مروعا. ورغم أنها تشكل أقل من 5 بالمائة من سكان العالم، تمتلك الولايات المتحدة 46 في المائة من الأسلحة المملوكة للمدنيين في العالم، وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة ((مسح الأسلحة الصغيرة)) ومقرها سويسرا.
وفي عام 2020، أظهرت بيانات الصناعة والتحقق من خلفية الأسلحة النارية أنه تم شراء قرابة 23 مليون قطعة سلاح في البلاد، بزيادة قدرها 65 في المائة عن العام السابق، وفقا لشركة الاستشارات الأمريكية ((تحليلات الأسلحة الصغيرة)).
ومن الأسباب الكامنة لتدهور عنف الأسلحة في الولايات المتحدة أن الحكومة لا تبذل سوى القليل من الجهد لمعالجة الأسباب الجذرية — العنصرية والفقر ونقص الحصول على التعليم.
على وجه التحديد، قُتل ثمانية أشخاص بالرصاص في ثلاثة صالات للتدليك في منطقة أتلانتا في مارس، من بينهم ستة آسيويين، مما أثار مخاوف من تزايد جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين.
وفي الوقت نفسه، كشف الانقسام العام في البلاد بشأن السيطرة على الأسلحة عن فجوة كبيرة بين الأمريكيين في المناطق الريفية والحضرية. ويتخذ العديد من مؤيدي حيازة السلاح الصيد وصيد الأسماك أسلوب حياة في الولايات ذات الكثافة السكانية الريفية الكبيرة، بينما يُعتبر امتلاك البنادق بالنسبة للكثيرين في المدن الساحلية أمرا غير مقبول.
لسوء الحظ، من الصعب للغاية تمرير تشريعات ضبط الأسلحة من خلال الكونغرس الأمريكي بسبب السياسات الحزبية وتأثير مجموعات الضغط.
وكانت القضية الساخنة لعقود من الزمان نقطة خلاف رئيسية بين الديمقراطيين والجمهوريين. ويؤيد الحزب الجمهوري حقوق مالكي الأسلحة، مجادلا بأن قوانين الأسلحة لن تحافظ على سلامة الناس، بل ستسلب حقوق المواطنين الملتزمين بالقانون.
في المقابل، يؤكد الديمقراطيون أن قوانين الأسلحة ستحدث فرقا، وتنقذ حياة الناس وتمنع الأسلحة النارية من الوقوع في أيدي الأشخاص الخطأ.
في الشهر الماضي، وافق مجلس النواب على مشروعي قانون يهدفان إلى توسيع وتعزيز عمليات التحقق من خلفية مشتري الأسلحة. وبالرغم من أن هذه الإجراءات تحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين، إلا إنه من المتوقع أن تواجه معارضة الحزب الجمهوري القوية في مجلس الشيوخ.
ومن المتوقع أن يمضي بايدن، الذي تضمنت حملته الانتخابية قضية الحد من عنف الأسلحة، في تطبيق لوائح جزئية من خلال أوامر تنفيذية أو إدخالها في مشروع قانون البنية التحتية الضخم الذي بدأ يتبلور الآن في واشنطن.
ومع ذلك، أكد دعاة السيطرة على الأسلحة أن إجراءات واشنطن بشأن السيطرة على الأسلحة ليست كافية على الإطلاق. بدون الحق في الحياة، من المستحيل التمتع بالحقوق الأخرى. ولدى الحكومة الأمريكية التزامات واضحة وعاجلة للتصدي لعنف الأسلحة.
وتتعلق السيطرة الفعالة على الأسلحة بشكل أكبر بما إذا كانت واشنطن لديها الإرادة السياسية الكافية والشجاعة الأخلاقية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الناس من عنف الأسلحة. وكما قال بايدن، “كفى صلوات. لقد حان الوقت لبعض العمل”، ولعمل حقيقي.
شينخوا