بصمات مبدعة.. نهاد قلعي… الفنان الذي أضحك الناس وبكى

شكل الفنان السوري الراحل نهاد قلعي علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية وتحديداً الكوميدية منها وعلى الرغم من مرور سنوات على وفاته إلا أنه حافظ على محبة الأجيال السورية والعربية بشخصياته التي اتسمت بخفة ظلها ولا سيما شخصية حسني البورظان.

أحمد نهاد قلعي الخربوطلي الذي ولد في دمشق عام 1928 كان ناشطاً في فرق المسرح المدرسي وكان حلمه الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية في القاهرة ونال قبولاً لكنه تعرض لحادثة مزعجة حيث سرقت نقوده فلم يتمكن من السفر وقبل دخوله إلى الوسط الفني عمل في مهن مختلفة منها مراقب في مصنع، ضارب على الآلة الكاتبة في جامعة دمشق وموظف في وزارة الدفاع ثم مخلص معاملات في مصلحة الجمارك.

وقبل دخول مرحلة الاحتراف في التمثيل شارك في عدة مسرحيات قدمتها فرق هواة وكان لا يزال موظفاً حين أسس سنة 1953 مع مجموعة من الشباب من هواة المسرح الفرقة الشرقية للتمثيل والموسيقا التي أصبح اسمها (النادي الشرقي) وقدمت عدة أعمال مسرحية لمؤلفين عرب وعالميين.

وفي عام 1959 عندما تأسست وزارة الثقافة في سورية وتولى نجاة قصاب حسن منصب مدير المسارح والموسيقا سعى إلى إنشاء فرقة مسرحية لتكون نواة عمل المسرح القومي حيث تولى محمود المصري الإدارة العامة ونهاد قلعي الإدارة الفنية بالمشاركة مع رفيق الصبان.

وافتتحت الفرقة أعمالها عام 1960 بمسرحيتين الأولى (براكسا جورا) إخراج رفيق الصبان وهي من التراث المسرحي الإغريقي الكوميدي أما العمل الثاني فحمل اسم (المزيفون) من تأليف الأديب المصري محمود تيمور وإخراج نهاد قلعي.

وأخرج نهاد قلعي بعد ذلك مسرحية موليير البورجوازي النبيل ثم أعاد إخراج ثمن الحرية وشارك في التمثيل نجوم المسرح القومي الشباب في ذلك الوقت وهم ثراء وسناء دبسي وسليم صبري وسواهم وبعدها خاض قلعي تجارب الإخراج المسرحي إلى جانب التمثيل.

وعند تأسيس التلفزيون السوري اقترح مديره العام صباح قباني تقديم سهرة كوميدية استعراضية ما شكل علامة فارقة للممثلين الذين أصبحوا نجوماً ساطعة في الكوميديا وهم دريد لحام ونهاد قلعي ومحمود جبر والمخرج خلدون المالح.

المرحلة الأساسية في مسيرة حياة نهاد قلعي كانت من خلال الشراكة الفنية مع دريد لحام حيث قدماً مسرحية كوميدية استعراضية بعنوان (عقد اللولو) أخرجها نهاد والتي اقتبس منها فيلم سينمائي بالعنوان نفسه أخرجه يوسف معلوف وانضمت صباح وفهد بلان إلى الثنائي في أدوار بطولته وكان باكورة عمل الثنائي في مجال السينما.

الإقبال الجماهيري على الفيلم شجع المنتج نادر الأتاسي وتحسين القوادري على مواصلة إنتاج أفلام من بطولة الثنائي دريد ونهاد ثم تهافت المنتجون في سورية ولبنان على التعاقد معهما وبلغ عدد الأفلام التي اشتركا فيها معا 24 فيلماً كان نهاد قلعي كاتب السيناريو أو مشاركا بالكتابة في معظم هذه الأفلام.

وأطل الثنائي على جمهور التلفزيون بشخصيتي غوار الطوشة وحسني البورظان في أربعة مسلسلات تلفزيونية تابعها الجمهور في سورية والعالم العربي باهتمام هي (مقالب غوار) من إخراج خلدون المالح وكتابة نهاد قلعي و(حمام الهنا) من إخراج العراقي فيصل الياسري و(صح النوم) و(ملح وسكر) من إخراج خلدون المالح.

واشتهر في هذه المسلسلات نجوم كبار هم عبد اللطيف فتحي (بدري بك) أبو كلبجة ورفيق السبيعي (أبو صياح) ونجاح حفيظ (فطوم حيص بيص) وزياد مولوي (عبده) وياسين بقوش (ياسين) وناجي جبر (أبو عنتر) وسواهم وختم نهاد قلعي مهمته ككاتب للتلفزيون عام 1984 بمسلسل (عريس الهنا) الذي قام ببطولته من دون دريد لحام.

أما في الخشبة فكان مسرح الشوك منبراً عاد عبره نهاد لعشقه الأول لأبي الفنون حيث قدم عام 1969 في أول مواسم مهرجان دمشق المسرحي عرضاً ضم مشاهد مسرحية كوميدية نقدية من تأليف عمر حجو وإخراج دريد لحام بالاشتراك مع رفيق السبيعي وزياد مولوي وأحمد قنوع وسواهم وكان الفنان سليم صبري مستشاراً فنياً.

وتأسست في دمشق عام 1974 فرقة أسرة تشرين المسرحية وكانت ضيعة تشرين باكورة إنتاجها وهي من تأليف الأديب الراحل محمد الماغوط ودريد لحام وإخراج الأخير وبطولته ومعه نهاد قلعي وعمر حجو وملك سكر وأسامة الروماني وياسر العظمة وصباح الجزائري وشاكر بريخان وحسام تحسين بك وحققت المسرحية نجاحاً فنياً وشهدت إقبالاً جماهيرياً في دمشق ومختلف المدن السورية وفي بيروت وبعض العواصم العربية.

وقدمت الفرقة عرضها الثاني (غربة) بالطاقم الفني نفسه ومن ناحية التأليف والإخراج والتمثيل إلا أن سامية الجزائري حلت محل ملك سكر واستقبلت المسرحية بالحفاوة نفسها التي استقبلت بها ضيعة تشرين وفي فترة عرض المسرحية تعرض نهاد قلعي لحادثة مؤسفة أصابته بالشلل وغيرت مجرى حياته.

وبعد الحادثة تم علاجه في تشيكوسلوفاكيا وعاد مصاباً بالشلل النصفي الذي تسبب بمنع حركة ذراعه اليسرى وجعل نطقه للحروف صعباً وبسبب تلك الإصابة توقف عرض مسرحية غربة أياماً ثم أسند دوره إلى تيسير السعدي وكان فيلم (عندما تغيب الزوجات) آخر أفلام نهاد قلعي.

مرض نهاد أثر بشدة في نشاطه الفني وحضوره فغاب تقريباً منذ أواسط الثمانينيات باستثناء مشاركاته في بعض الأعمال الإذاعية وفي الكتابة للأطفال قبل أن يذوي شيئاً فشيئاً حتى توفي في مشفى الهلال الأحمر بدمشق في الـ 17 من تشرين الأول سنة 1993.

التكريم الأكبر الذي حظي به نهاد كان بعد وفاته عندما تلقت ابنته مها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة في آذار 2008 في حفل خاص استضافته دار الأسد للثقافة والفنون.

سانا