أيقونة في صدر الزمان… تخبرك عنها صخور هجرت قسوتها لتحتض بين حناياها مدينة أشبه بقلعة ملفوفة بالصخر….. معلولا..
يحتاج منك الطريق أن تقطع ٥٦ كيلو متر شمال شرقي دمشق لتصل إلى بقعة تمردت على كل وجوه الحداثة لم يخطر على بال سكانها أن يغيروا مارسمته التضاريس الجبلية للمكان
فبقيت هكذا تتكىء على جبال القلمون السورية ببيوت قديمة اسطحها ممرات لبيوت أخرى وممرات جبلية ضيقة ومتشعبة وسلالم خشبية كأنها آيلة للسقوط تربط المنازل المحفورة ضمن الكهوف الجبلية.
أسطورة هاربة من صفحات التاريخ حيث إن تاريخها مأهول بالسكان منذ عصور ماقبل التاريخ وتبين ذلك من خلال الدراسات التي أجريت على جبل معلولا وجروفه الصخرية حيث أقام إنسان نياندرتال خلال الفترة الزمنية مابين ٤٠ ٢٠٠ ألف سنة ق. م وسكنها الإنسان الأكثر تطورا من القديم بين ٧ ١٠آلاف سنة ق.م حيث لم تقتصر إقامة الإنسان خلال هذه الفترة في المدينة على الكهوف الموجودة في الطبيعة بل لجأ إلى حفر الكهوف ونحتها في الصخور سعياً لتشييد المعابد والمنازل والتماثيل للالهة التي تمثل معتقداته.
لايقاسمها المكان إلا الشمس والهواء فكان لاسمها منها نصيب ومعلولا كلمة آرامية تعني الارتفاع والعلو وهي تعلو ١٥٠٠ م عن سطح البحر وحملت عدة تسميات عبر العصور من بينها سيليوكوبوليس في العصور الرومانية ومايدل على أصولها الآرامية ويؤكده لغة سكانها الآرامية التي كان يتحدث بها المسيح عليه السلام وهي حيّة في المكان سيما وأن سوريا أولتها اهتماما خاصا من خلال افتتاح المعهد الآرامي للحفاظ عليها من الإندثار
بمنىءً عن تقلبات التاريخ وزلات الحضارة بقيت هذه البلدة الوادعة محتفظة بالكثير من المعالم الأثرية التي تعود للقرن العاشر ق. م وتشهد على عراقة البلدة كالكنائس والاديرة التي ترقى إلى العهود الأولى للمسيحية ويفوق عددها الأربعين ترفعها إلى مقام الأماكن المقدسة
تتميز معلولا بمايسمى فج مارتقلا وهو شق في الجبل يُحدث ممراً بين طرف الجبل وطرفه الآخر وتقول بعض الحكايات الشعبية القديمة أنها أعجوبة أرادها السيد المسيح لابقاء السيدة تقلا آمنة في شطر والجنود الرومان في الشطر الآخر، ويقسم فج مارتقلا المدينة إلى قسمين يبدأ من جانب دير مارتقلا الذي أقيم ليضم رفات الأميرة تقلا وهي إحدى تلميذات القديس بولس ويشغل هذا الدير حيزا في منطقة بارزة في المدينة داخل جوف الكهف الصخري وينتهي الفج عند دير القديس سركيس وباخوس والذي يرجع تاريخ تشييده إلى القرن الرابع الميلادي ويعد أقدم الديرة في العالم ويحتوي على أيقونات أثرية ونادرة كغيره من الاديرة والكنائس في معلولا التي تزدحم بآلاف الزائرين للمشاركة في الأعياد المقدسة حيث يتلاقى الزائرون من دول أوروبا والعالم بالزوار من سوريا وأنحاء الشرق في منطقة تعد من أجمل المناطق السياحية في سوريا ومن أجمل المصايف ذات الطبيعة الجبلية حيث تشعر نفسك في مكان توقف فيه الزمن أو في زمان أصر على ماضي المكان..
هكذا هي معلولا كومة ذكريات في دفتر تاريخ طويل.
اعداد: مجد حيدر