تزال عائلة “باغجه جيان” تزاول مهنة طب الأسنان من دون انقطاع منذ عام 1911، عبر ثلاثة أجيال من العائلة ذاتها في اللاذقية.
ويروي الدكتور “ستراك باغجه جيان”، وهو ثالث أفراد العائلة، لتلفزيون الخبر حكاية أسرته مع طب الأسنان، والاختلافات التي طرأت على المهنة خلال قرن من الزمن.
ويقول “باغجه جيان”: “درس جدي في جامعة اسطنبول طب الأسنان وبدأ بمزاولة المهنة منذ عام 1911، وكانت بداياته من بيروت، ثم انتقل إلى اللاذقية حيث كان انتشار أطباء الأسنان أقل، ويستفاد الناس بشكل أكبر من تواجد الطبيب”.
ويتابع “واستمر جدي بعيادته حتى عام 1952، وانتقلت المهنة إلى والدي الذي درس في جامعة اسطنبول كذلك بمعهد طب الأسنان قبل وجود الكليات، وعمل في منطقة الحفة بريف اللاذقية منذ سنة 1942”.
وتوجه “بيزانت باغجه جيان” إلى منطقة الحفة “حتى لا يكون هناك طبيبي أسنان في مدينة واحدة، وليكون في الحفة طبيب أسنان يداوي الناس فيها، واستمر هناك حتى 25 عاماً، ثم عاد إلى اللاذقية وبقي يعمل فيها”، وفقاً لما ذكره ابنه.
وظل الجيل الثاني من العائلة يعمل بطب الأسنان حتى عام 1984، وفي سنة 1986 بدأ الدكتور ستراك باغجه جيان العمل بطب الأسنان خلفاً لوالده وجده، وعمل في عيادة والده في اللاذقية حتى الآن.
تطور طب الأسنان خلال أكثر من قرن من الزمن بنواحي عديدة، وكان طبيب الأسنان في الماضي يصنع كل أدواته بيده حيث لم تعرف حينها المخابر الطبية، وكانوا يستخدمون مواداً لا يعرفها مرضى وأطباء اليوم.
يشرح ” باغجه جيان” لتلفزيون الخبر أن “طبعات الأسنان على سبيل المثال كانت تتم باستخدام الجبصين الأبيض، حيث كان جدي يخلطه بالماء ويوضع في فم المريض حتى ينشف، ثم يكسر ويحصل الطبيب على الطبعة، ويسبق ذلك شويها بفرن خاص ثم تفتيتها”.
ويردف “واستمر العمل بهذه الطريقة حتى بداية عمل والدي في أربعينيات القرن الماضي، إلى أن تطورت المهنة وأصبحت تؤخذ الطبعات بمواد عديدة منها الكاوتشوك”.
ويذكر ” باغجه جيان” أنه ” على أيام جدي ووالدي لم تكن موجودة المخابر السنية التي تصنع المواد للأطباء فكان الطبيب هو من يقوم بتصينع الجسور والبدلات (الأجهزة المتحركة) وكانت تصنع من مادة الكاوتشوك بدل الأكريل وكان لها فرن خاص وعاصره أبي لفترة محدودة حتى بدأت المعامل بإنتاج مواد طبية خاصة للأطباء لتوضع في الفم”.
ويتحدث الدكتور “ستراك”: “باتت اليوم مهنة طب الأسنان أكثر سهولة مع تطور الأدوات والآلات، وأذكر أن والدي كان يسهر لساعات الصباح الأولى حتى يصنع الجسور والبدلات بعد عمله في العيادة”.
وعن الأدوات المستخدمة في عيادتي الجد والأب، يقول الدكتور “ستراك”: “كانت الحشوات تصنع في جرن خاص من الزجاج يمزج فيه الزئبق والرصاص وكان يطلق عليها اسم “رصرصة الضرس”، وكان المرضى ميسوري الحال يضعون الجسور السنية المصنوعة من الذهب، وشاع استخدام الذهب الأمريكي في أسنان الضواحك كنوع من أنواع الزينة”.
ويضيف “كان جدي يقوم بوزن جسر الذهب بميزان خاص فيه، لمعرفة كلفته وأجرة تصنيعه، وكانت تستخدم حفارات الأسنان اليدوية عوضاً عن المستخدمة حالياً والتي تعمل على الكهرباء”.
إرث العائلة: أدوات طبية بعمر مئة عام
تفخر عائلة “باغجه جيان” بإرثها العائلي الذي يضم أدوات وكتب وأجهزة تتعلق جميعها بطب الأسنان لا يزال يحتفظ بها ثالث أطباء العائلة.
وتضم ممتلكات العائلة مكتبة بأقدم الكتب الطبية والمجلات التي صدرت في سوريا منها أعداد من مجلة “طب الأسنان السورية” ، ورخصة مزاولة مهنة لأوائل أطباء الأسنان في سوريا، حصل عليها ثاني أطباء الأسرة.
كذلك لدى العائلة حقنات، وكلابات لقلع الأسنان، وأدوات تقليح الأسنان، وموازين لقياس حرارة الماء المستخدم في التعقيم، تعود لعشرينيات وأربعينيات القرن الماضي”.
ميزان الذهب المستخدم في عيادة الأسنان قبل ١٠٠ عام
ومع مرور أكثر من 110 سنوات على ممارسة المهنة من قبل عائلة واحدة لم يختر أبناء الدكتور “ستراك” أن يستمروا في المهنة نفسها، وقرروا شق طريقهم بمجالات أخرى بعيدة عن مهنة “الأجداد”، وبذلك يكون الجيل الثالث أخر ممارسي المهنة من عائلة “باغجه جيان”.
المصدر: تلفزيون الخبر