ساعة مع لافروف لأجل سوريا.. الخليج يزين “الحضن العربي” بالورود لاستقبال دمشق

رأي:الكاتب زين العابدين شيبان

زين الشيبان

ما إن وطأت قدما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أرض الخليج العربي حتى تحركت أشواق بعض دوله تجاه شقيقتهم دمشق، من أجل إرجاعها للحضن الذي غابت عنه سنوات طويلة، أرهقتها فيها ظروف الحرب اجتماعيا واقتصاديا.

خلال مؤتمرين صحفيين في يومين متتاليين بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيريه الإماراتي والسعودي (على التوالي)، تم التأكيد على ضرورة عودة دمشق إلى محيطها العربي، ليس فقط هذا.. بل أن الوزير الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، اعتبر أن العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” تعد التحدي الأكبر أمام التنسيق والعمل المشترك مع سوريا.

وشدد عبدالله بن زايد على أن بدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها “أمر لا بد منه”، موضحا أن “الأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد، فالمسألة هي مسألة المصلحة العامة.. مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة”.

الرغبة الإماراتية تبعها تأكيد سعودي، خلال لقاء وزير الخارجية فيصل بن فرحان، مع لافروف، على أهمية استمرار دعم الجهود الرامية لحل الأزمة السورية بما يكفل أمن الشعب السوري ويحميه من المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية والتي تعطل الوصول إلى حلول حقيقية تخدم الشعب السوري الشقيق”.

وأضاف بن فرحان “متفقون مع أصدقائنا الروس على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا لأنه لا وجود لحل للأزمة السورية إلا من خلال المسار السياسي”.

فعالية روسية متعددة الجوانب

تبذل روسيا جهودا حثيثة للحفاظ على المسار السياسي الذي ترعاه في سوريا.. حيث، وبعد انتهاء الجولة الخامسة عشرة من أعمال مسار أستانا، في مدينة سوتشي الروسية، كثفت موسكو نشاطها الدبلوماسي لدعم ما تحقق في هذه الجولة ومنحه زخماً يقطع الطريق على القراءة السلبية “عند بعض المنددين” لما أسفرت عنه المباحثات من نتائج والتي اعتبرها هؤلاء “سلبية”، “سواء في الشكل حيث اقتصر الحضور على المساعد الثاني لوزير الخارجية في الدول الثلاث الراعية للمسار (روسيا، تركيا وإيران)، أو في المضمون، حيث اقتصرت النتائج على الاتفاق على تمديد الهدنة في إدلب وتوسيعها لتشمل جميع مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي البلاد، بينما لا يزال الاستعصاء السياسي يفرض نفسه وبقوة على الجميع”، على حد تعبيرهم.

مساع روسية، من الشرق إلى الغرب، شمالا وجنوبا، لإيجاد حل سياسي وإخراج سوريا من حربها العسكرية والاقتصادية إلى بر الأمان، يقابلها تصعيد أمريكي بهجمات عدوانية تحت مسمى “الديمقراطية للشعب السوري والقضاء على الإرهاب”.. هذا الشعب الذي تثقله واشنطن نفسها بعقوباتها أحادية الجانب، والتي بسببها ارتفع سعر الدولار إلى أعلى سعر في تاريخ الليرة السورية.

دبلوماسية روسية للم الشمل السوري، تبدأ من رعايتها لمؤتمر اللاجئين في دمشق، مرورا بتوطيد العلاقات العربية السورية، ووصولا إلى الزيارة الأخيرة للوزير لافروف إلى دول الخليج العربي، هذا النشاط السياسي لقائد الدبلوماسية الروسية لم يقتصر فقط على بلدان الخليج، بل تعداها إلى دول عربية أخرى مجاروة ومؤثرة في الملف السوري، فقد التقى لافروف خريف العام الماضي مع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، وبحثا الوضع السوري، وأكد لافروف في هذا اللقاء على أن السعودية جادة بالفعل في تسوية الأزمة السورية، وأكدت دعمها لعملية المفاوضات في أستانا. وأشار لوجود ضيوف على الأراضي السورية “غير مدعوين”.

دبلوماسية الحل التي تعمل عليها موسكو، تقابلها سرقة أمريكية للنفط السوري.. واختراق للأجواء السيادية للدولة السورية، وهو ما وصفه لافروف نفسه “بخرق للقوانين الدولية“، مشيرا إلى أن روسيا تعمل في سوريا بدعوة مباشرة من السلطات القانونية للجمهورية العربية السورية.

حتى مع جهات المعارضة، لم تخف روسيا يوماً أنها تتواصل مع المعارضة السورية وشخصياتها، وتتشاور وتنقل المقترحات المتعددة التي تصل إلى السلطة في دمشق، بهدف المساهمة في تقريب وجهات النظر، والعمل على بدء عملية تفعيل دور الحوار السوري، دون أن تحتاج إلى التخفي أو استخدام أذرع سياسية وإعلامية كما تفعل دول أخرى.

وهنا أقول: إن روسيا ترى الحوار والمساعي الدبلوماسية واحترام قرارات الأمم المتحدة طريقاً وحيداً تعتمده أساساً لسياستها الخارجية في حل الخلافات والنزاعات الدولية.

روسيا المستمرة في دعم الشعب السوري على الأرض، وتقديم أقصى المساعدات الإنسانية الممكنة له، تسير، من جهة، في مهمتها العسكرية بحماية حدود الجمهورية العربية السورية، وتقديم الدعم اللوجستي للجيش العربي في حربه مع الإرهاب، ومن جهة أخرى بمهمتها الدبلوماسية في إخراج سوريا من أزمتها وإعادة الحياة الطبيعية لها.. مقابل برود بعض الدول التي تلقي الشعارات دون أي رد فعل إيجابي يذكر.

أترك هذه الدول وشأنها.. وأظن أن على جامعة الدول العربية حاليا أن تتبنى كافة الجهود والمبادرات الساعية إلى إنهاء معاناة الشعب السوري تزامنا مع الجهود الروسية.. وإعادة دمشق فعليا للحضن العربي.. دمشق التي وصفها جمال عبد الناصر ذات يوم بـ”قلب العروبة النابض”.

وأرى أن هذا التبني تقوده الإمارات والسعودية، فالأولى فتحت سفارتها.. وتواصلت خلال مباحثات هاتفية بين ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، والرئيس السوري بشار الأسد في مبادرة أكد فيها بن زايد دعم بلاده للشعب السوري الشقيق، مشيرا إلى أن سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.. والمملكة أيضا خففت ارتباطاتها بالقوى السياسية المتشددة التي لا تسهل عملية الحل، بالإضافة لوجود تعاون روسي سعودي في مختلف القضايا وخاصة القضية السورية، ولا ننسى بالتأكيد سلطنة عمان، التي كانت أول دولة عربية خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا. 

المصدر: سبوتنيك العربية