منذ أيام، نشر موقع “أخبار الآن”، ومقره دبي، تقريراً واسعاً من قبل “باحث” مصري حول حملة التضليل الروسية المزعومة في الدول العربية.
وادعى التقرير أن هذه الحملة تجري بالاشتراك مع الإخوان المسلمين، وعلى وجه الخصوص، بدعم من RT. وقد أعد التقرير، فيما يبدو، بالاشتراك مع مركز أبحاث البنتاغون، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، “مؤسسة راند”Corporation RAND، أو على الأقل على أساس موادهم الدعائية، التي يشير إليها المؤلف ويكررها.
لعل ما يثير الضحك في التقرير هو أنه بعد سرد الأساليب التي يزعم كاتب المقال أن روسيا تستخدمها، من الكذب والتلاعب بالحقائق وغيرها من الأمور، يبدأ التقرير في اتباع هذه الأساليب بمنتهى الدقة، فيما يبدو أنها تعليمات من وكالة المخابرات المركزية لنشر دعايتها. فيكذب الكاتب، ويتبع كافة الحيل القذرة، في محاولة لطرح رأي مفاده أن روسيا تقوم بأعمال تخريبية ضد الدول العربية، وتتعاون في ذلك مع جماعة الإخوان المسلمين.
على سبيل المثال، كررت “أخبار الآن” كذبة “خبير” مصري آخر، كان قد نشرها موقع “العربية” في وقت سابق، بأن بعض أعضاء الإخوان المسلمين “يعمل لصالح الاستخبارات الروسية ولديه اتصالات وعلاقة تعاون ثابتة معها”، وكذلك تلميحات بأن الاستخبارات الروسية ربما تكون قد شاركت في تدريب أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين على أراضي جورجيا. بينما يستند “الخبير” إلى دليل واحد فقط هو أن موقع جورجيا الجغرافي بجانب روسيا. في الوقت نفسه، دعونا نتذكر أن جورجيا هي دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، والمدربون الأمريكيون يدربون الجيش الجورجي، وتسعى جورجيا للانضمام إلى الناتو، وهي موطئ قدم للولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا، وتحاربت مع الأخيرة عام 2008. بنفس الآلية يمكن للمرء أن يتهم الرياض بنفس السهولة بدعم الحوثيين، فبعد كل شيء، تشترك المملكة العربية السعودية في حدودها مع اليمن.
إذا كانت “العربية” لا تكذب على الأقل في حقيقة التدريب، أي أنه إذا كان هناك جهاز استخبارات قد قام بالفعل بتدريب أعضاء من الإخوان المسلمين في جورجيا، فلن يتمكن من تدريبهم هناك سوى الولايات المتحدة الأمريكية أو تحت إشرافها وبعلمها. بل وربما تكون روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تستطيع تدريب أحد في جورجيا، لأنه علاقاتها بجورجيا هي أسوأ من جميع دول العالم الأخرى دون استثناء. أي أن محاولة الكذب بشأن روسيا، فضحت “العربية” حقيقة تدريب الإخوان المسلمين على يد الولايات المتحدة الأمريكية. يجب ألا ننسى أيضاً أن تنظيم القاعدة تأسس من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمحاربة القوات السوفيتية في أفغانستان، وأن الإسلاميين في سوريا تلقّوا من مكان ما قاذفات قنابل يدوية أمريكية مضادة للدبابات.
وعلى الفور كتبت “أخبار الآن” أنه قد تم تدريب الإخوان المسلمين في ماليزيا أيضاً على يد مدرّبين من أجهزة استخبارات أجنبية، لم يذكر اسمها. وبعد الكذبة السابقة حول “الاستخبارات الروسية” في جورجيا، يلمّح التقرير إلى أنهم أيضاً روس. فعن أي أساليب التضليل تتحدث “راند”؟
بهذه الطريقة تحاول وكالة المخابرات المركزية وعملاؤها في الدول العربية، ليس فقط إخفاء دعمهم للإسلاميين المتطرفين، وإنما أيضاً إلقاء اللوم على روسيا فيما يتعلق بخطاياها. ولا يسعني هنا سوى القول إنها طريقة رائعة! فقط في المرة القادمة، يتعيّن على الوكالة المخضرمة منع “الباحثين” العرب، متواضعي المهنية، من الزج بتلك الأكاذيب الفجة، والتي يسهل فضحها. من الممكن بهذا الصدد الاكتفاء بإطلاق تصريحات، لا أساس لها من الصحة، وبلا دليل أو أمثلة، كما تفعل “راند”.
أما ما يتعلق بدعم قناة RT للإخوان المسلمين، فيمكن تقسيم “الأمثلة” التي نقلتها “أخبار الآن” إلى فئتين: هما الأكاذيب الفجة الصريحة، والتزييف وتقديم الأخبار العادية بوصفها “دعماً” للإخوان المسلمين، وهو ما يمثّل أيضاً درجة من سلّم الكذب.
ومثال على الأكاذيب الفجة هو ما ذكرته في مقالتي، والتي أقول فيها بالحرف الواحد: “إن بوتين بلا شك أحد الزعماء الرئيسيين، إن لم يكن الزعيم الرئيسي الذي يتبنى القيم المحافظة في العالم. أما في العالم العربي، فيدعي الإسلاميون زعامة التيار المحافظ، وهذا بطبيعة الحال ما يمنع قيام أي اتحاد أيديولوجي بين بوتين والمحافظين العرب”
وهو ما تنقله “أخبار الآن” بالصيغة التالية: “دعوة جماعة الإخوان، بشكل صريح، لتشكيل “تحالف محافظ” تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين”.
أما فيما يتعلق بالأخبار العادية، تلتزم RT بمبدأ تغطية الأخبار على نحو حيادي موضوعي. فإذا كان هناك حدث ما، يستطيع قراء ومتابعو RT الحصول على المعلومات الأكثر اكتمالاً وصدقاً عمّا يحيط به، مع عرض وجهات النظر المختلفة. وذلك يتضمن الأحداث المتعلّقة بالإخوان المسلمين. في الوقت نفسه، تلتزم RT بالطبع بكافة المبادئ والقيود المعتمدة في التعامل مع التنظيمات المتطرفة والإرهابية، بما في ذلك رفض الاستشهاد بها على نحو كامل.
فإذا كان مثل ذلك النهج يسمى “دعماً” للإخوان المسلمين، فيمكن للمرء أن يقول أيضاً إن معظم الحكومات العربية، بما في ذلك الحكومة المصرية، من خلال الصحافة الحكومية، تدعم الإطاحة بالحكومة الروسية، وتغطّي الاحتجاجات والأنشطة التي يقوم بها المعارض الروسي، أليكسي نافالني، الذي حاول مؤخراً تنظيم “ثورة ملوّنة” في روسيا.
حتى أنني أود هنا أن أشير إلى أن الصحافة العربية، بما في ذلك الصحافة المصرية، تكرر، في كثير من الأحيان، المعلومات الكاذبة التي ينشرها الغرب فيما يتعلق بنافالني، بينما تتجاهل وجهة النظر الروسية.
ومع ذلك، فحتى هذه التغطية الأحادية الجانب، وغير الحقيقية تماماً، ليست دليلاً حتى الآن على دعم محاولات الغرب لتنظيم ثورة ملوّنة في روسيا، على سبيل المثال، من قبل مصر. فغالبا لا تكون هذه التغطية نتيجة لنوايا شريرة، بقدر ما هي درجة متواضعة من المهنية للصحفيين أو المؤسسات الصحفية، أو نتيجة توجّه سياسي نحو الغرب. لا أحد في روسيا يثير ضجة بهذا الشأن، ولا يشكك في حق الصحافة العربية في تغطية الأحداث على اختلافها في روسيا.
بطريقة أو بأخرى، وفي أعقاب العقوبات المباشرة التي فرضها الغرب على روسيا، نرى تكثيف جهود أجهزة الاستخبارات الغربية وعملائها في العالم العربي لتدمير التعاون الروسي مع الدول العربية. والسؤال الرئيسي هو: لماذا يكون مفبركو هذه الأخبار الكاذبة في أغلب الأحيان “باحثين” مصريين، وما مدى قوة مواقف أولئك الذين يحاولون الإضرار بالعلاقات الروسية المصرية وسمعة RT.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب