تُعتبر سورية من أكثر بلدان الشرق الأوسط اهتماما بالعلاقات مع جمهورية الصين الشعبية وبمبادرة (الحزام والطريق) التي أطلقها الرئيس الصيني الحالي شي جي بينك في العام 2013.
تعود العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسورية إلى الأول من أغسطس 1956 ، لكنها توطدت أكثر في يونيو 1965 عندما توقف رئيس مجلس الدولة الصيني شو ان لاي بمطار دمشق، وهو في طريقه إلى أفريقيا، وكان في استقباله الرئيس السوري آنذاك أمين الحافظ ، حيث أجرى الزعيمان محادثات هامة أسست لعلاقات مستقبلية ، فسورية كانت إحدى الدول التي قدمت مشروع قرار إعادة جمهورية الصين الشعبية إلى مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة أثناء انعقاد الجمعية العامة في دورتها السادسة والعشرين في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1971 باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصيني في الأمم المتحدة.
وفي مارس/آذار عام 1986 أقام حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سورية علاقات حزبية ودية مع الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في الصين.
لكن العلاقات بين البلدين شهدت تطوراً مهماً آخر عندما قام نائب الرئيس الصيني هو جينتاو بزيارة إلى سورية في عام 2001 ، أما الزيارة الأهم والتي أسست لعلاقة استراتيجية بين البلدين فكانت الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى بكين في حزيران/يونيو 2004 على رأس وفد رسمي كبير ضم وزراء الخارجية والاقتصاد والنفط والثروة المعدنية والسياحة ورئيس هيئة تخطيط الدولة وعدد من رجال الإعمال السوريين .
ويرى الكثير من المؤرخين أن سورية كانت على مر التاريخ جسراً مهماً للتواصل بين أسيا وأوروبا، وكانت أيضاً محطة هامة لطريق الحرير القديم حتى أن الصين تُسمي دمشق باسم “نينغ جيولي ” أي (القوة المتماسكة دوما رغم الصعاب )، ومن هنا يأتي استخدام الصين للفيتو لصالح سورية ست مرات إلى جانب روسيا في الفترة الواقعة ما بين 2011 و 2020 ما يؤكد أهمية سورية للصين وبقائها قوة متماسكة أو “نينغ جيولي ” كما تطلق عليها الصين.
وفي ذات الوقت تعمل دمشق كقوة متماسكة فعلاً فالرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة له مع تلفزيون فينيكس الصيني في أواخر شهر كانون أول / ديسمبر 2019 قال: تتلاقى مصالح سورية على صغرها جغرافياً بمصالح الصين على كبرها فالصين تنظر غرباً ، وسورية تنظر شرقاً تجاه الصين كشريك تاريخي لا يمكن الاستغناء عنه .
وهنا لا بد من العودة إلى الوراء فعندما طرحت الولايات المتحدة مشروع الشرق الأوسط الجديد في آذار /مارس 2004 على مجموعة الدول الصناعية الثمانية في سي آيلند بولاية جورجيا الأميركية، انتقد وزير الخارجية الصيني تشيان كيتشن السياسة الخارجية الأمريكية في مقال نشرته صحيفة ” الصين اليومية” حيث قال فيه: ” إن الولايات المتحدة طرحت برنامجها الإصلاحي نحو الشرق الأوسط وأسمته (الشرق الأوسط الكبير) وتخشى الصين انتشار البرنامج الأمريكي للإصلاح شرقا نحو أراضيها “.
ومن هنا يرى الرئيس الأسد أنه في الوقت الذي تتحرك فيه الصين غربًا عبر مبادرة الحزام والطريق، تتحرك دمشق بشكل متزامن باتجاه الشرق، فمنذ عام 2009 ، طرح الرئيس بشار الأسد ” استراتيجية البحار الأربعة ” لتحويل دمشق إلى مركز تجاري بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وبحر قزوين.
وقد أكد الرئيس بشار الأسد في حينه أنه بمجرد ربط هذه البحار الأربعة، تصبح سورية التقاطع الإجباري للعالم بأسره في الاستثمار والنقل وغير ذلك. ” لكن دعم أنقرة للمجموعات الإرهابية في العام 2011 وخروجها عن الاتفاقيات الرسمية المعقودة بين البلدين أفشل مشروع البحار الأربعة الذي أطلقه الرئيس الأسد.
يذكر أن سورية كانت سبقت الصين بعقد من الزمن في إحياء طريق الحرير حيث أقامت مهرجاناً سنوياً باسم طريق الحرير في العام 2002 في مدينة تدمر يركز على مظهر من مظاهر التفاعل على طريق الحرير كالفن والموسيقى والتفاعل بين حضارات وثقافات الدول الواقعة على طريق الحرير، إلا أن المهرجان توقف بعد اندلاع الحرب في العام 2011
غسان رمضان يوسف – رئيس تحرير صفحة (الحزام والطريق – سورية) – كاتب متخصص بالعلاقات السورية الصينية.