لعل ما نشهده من ارتفاع وتيرة موقف جمهورية الصين الشعبية حيال العدوان على سورية يضعنا أمام تساؤل عن طبيعة العلاقات الصينية – السورية في محاولة لفهم هذا المتغير القوي للدور الصيني على الساحة الدولية حيث شكلت الأزمة السورية منعطفا قوياً في السياسية الخارجية الصينية و رأت الصين القوة الاقتصادية الصاعدة فرصة لتحجز لنفسها المقعد الذي يليق بتطورها وتقدمها في عدة مجالات الأبرز منها هو التقدم الاقتصادي والتكنولوجي المنافس لعدة دول عالمية أهمها الولايات المتحدة الأمريكية .
تعود العلاقات الثنائية بين سورية والصين الشعبية إلى تاريخ موغل في القدم يمتد إلى نحو ألفي عام منذ طريق الحرير إذ كانت الصين نقطة انتقال قوافل الحرير وسورية نقطة التقائها مع قوافل أوروبا، الأمر الذي أسس لتاريخ طويل من التبادلات التجارية بين البلدين الصديقين وإلى تطوير العلاقات بين الصين والعرب وتعزيز الحوار الحضاري بين الجانبين.
وعلى الرغم من أن مسيرة العلاقات المميزة ربطت سورية والصين، خصوصاً على مدى العقود الخمسة الماضية إلا أن المشروع الذي قدمه الرئيس السوري بشار الاسد عن ربط البحار الخمس في عام ٢٠٠٢ في محاولة لإعادة مشروع طريق الحرير القديم وهذا المشروع بالغ الأهمية لدولة الصين حيث يؤمن لها طريقا ممتازاً لتجارتها مما يدفع بعجلة النمو الاقتصادي الصيني إلى امتلاك مكانة مرموقة بين الدول الصناعية المتقدمة ويشكل خطرا على أمريكا والغرب لما له من تأثير على اقتصاد ومكانة تلك الدول ولعل الزيارة التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين في حزيران عام 2004 شكلت حدثاً مهماً في تاريخ هذه العلاقات لتكون علاقة شراكة في جميع المجالات وأحدثت نقلة نوعية حيث اختصرت المسافات بين البلدين وطورت التعاون السياسي والاقتصادي والسياحي بينهما بشكل كبير وفي عام ٢٠١٣ أعلن الرئيس الصيني عن مشروع الحزام والطريق الذي تشكل فيه سورية من خلال موقعها الجغرافي عقدة مواصلات إقليمية هامة .
أمام هذا التاريخ الغني بالعلاقات الثنائية الوطيدة والطيبة التي اعتمدت على الاحترام المتبادل بين الدولتين نستطيع أن نفهم موقف الصين من العدوان الكوني على سورية حيث برز هذا الدور من خلال جلسات مجلس الأمن الخاصة بسورية حيث اتسمت مواقفها بالوضوح واستخدمت حق النقض الفيتو لعدة مرات بجانب الفيتو الروسي وهذا الموقف يعتبر متحولا قويا في السياسة الخارجية الصينية التي حسب اعتقادي أصبحت أكثر قوة وصلابة بالنسبة للقضايا الدولية والإقليمية وهذا يتناسب مع قوة الصين الحديثة فشكلت الأزمة السورية مركز هذا التحول ، فدعت إلى احترام سيادة الدولة السورية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفضت محاولة مجلس الأمن استصدار قرار يفضي بخروج قوات الجيش العربي السوري من مراكز المدن التي يحارب فيها الارهاب العالمي خاصة أن الصين عانت من الارهاب على يد جماعة الأيغور الذين انخرطوا في محاربة الدولة السورية بدعم أمريكي غربي إقليمي واستطاعو إعادة بناء مجموعتهم الإرهابية من خلال هذا الحضور في ساحة العدوان على سورية مما شكل قلقاً صينياً وتهديداً مباشراً للأمن القومي الصيني مما دفع بالصين لإرسال مبعوث خاص لسورية بهدف تعزيز حضورها العسكري وتقديم المساعدة للدولة السورية لينسجم هذا الموقف مع حلفائها الاستراتيجيين إيران وروسيا .
واليوم وبعد مضي قرابة عشرة أعوام على بدء العدوان على سورية تستمر الصين في دعمها للدولة السورية والتأكيد على حق الدولة السورية في مكافحة الإرهاب ولن يكون موقف نائب السفير الصيني في مجلس الأمن حيث طالب مجلس الأمن برفع العقوبات الأمريكية أحادية الجانب عن سورية فورا .. تصاعد حدة التصريحات الصينية تجاه القضية السورية وما تعانيه الصين من استهداف أمريكي لمصالحها ومحاولة أمريكا من إيقاف عجلة التقدم الاقتصادي الصيني من خلال فرض العقوبات عليها والحرب الدبلوماسية عبر إغلاق السفارات بين البلدين وتعرض واشنطن للمصالح الصينية تارة عبر المناورات العسكرية على حدودها وأخرى عبر العقوبات واستهدافها لحلفاء بكين بفرض عقوبات اقتصادية على هذه الدول منها إيران وروسيا يجعل استراتيجية الدفاع الصينية التي أعلنت عنها تحت مسمى ” الورقة البيضاء ” تجعل من الحضور الصيني في الساحة العسكرية السورية أكثر تأثيرا وفاعلية ولن يبقى الدور الصيني مقتصر على المواقف المشرفة في أروقة الأمم المتحدة وتقديم المساعدات الإنسانية وتقديم الدعم للدولة السورية في مواجهتها وباء كورونا بل سيتطور أكثر هذا الدور وتدخل الصين إلى جانب حلفاء سورية وحلفائها روسيا وإيران للقضاء على الارهاب وبذا تكون الصين دخلت خط المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية على الأرض السورية كرد صيني قوي على السياسات الأمريكية مما يشكل عامل ردع للهيمنة الأمريكية على العالم من خلال تركيز الصين على توسيع نطاقها العسكري في سورية وهذا ما يعزز لها فرصة حماية أمنها القومي .
بالرغم من الحذر الشديد الذي تنتهجه بكين حيال التدخل في الحرب الدائرة مع الدولة السورية إلا أنها لم تدخر جهدا لمساعدة الدولة السورية وشعبها بالرغم من المحاولات الأمريكية الغربية البائسة من تشويه صورة الصين الشعبية إلا أن شعوب العالم عرفت الصين بمواقفها الإنسانية العظيمة ولعل جائحة كورونا وطريقة تعاطي بكين مع الدول التي تفشى بها الوباء من خلال تقديم المساعدات والخبرات الطبية لدول عديدة منها دول أوروبية، جعلت الصين رقماً صعباً في مواقف الدعم الإنساني وعرت أمريكا والغرب الذي تآمر على نفسه وأغلق حدوده مع دول الاتحاد الأوروبي
ومطالبة بكين لرفع العقوبات وبشكل فوري عن الدولة السورية ولغة القوة التي طالب فيها ممثل الصين في الأمم المتحدة وما نتج عنه من تصريح لمندوب الأمم المتحدة غير بيدرسون حيث طالب مجلس الأمن برفع العقوبات عن الدولة السورية يعطي الصين دورها الطبيعي بحقها بالمشاركة بزعامة العالم وعدم السماح للولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة أحادية الجانب على حكم العالم والتحكم بمصير الدول لتقول للولايات الأمريكية لن تكوني بعد اليوم شرطي على العالم ولا شركة وحيدة تحكم هذا العالم عبر ثرواته التي سرقتها.
واذا كنا نؤمن بأن العدوان الأمريكي الغربي الصهيوني على الدولة السورية هدفه تدمير هذا البلد وسرقة ثرواته وإعطاء هامش كبير من الأمان للكيان الصهيوني وهذا ما أكدته سنوات الحرب الطويلة مع الدولة السورية ، علينا أن نسلم أيضا بأن هذا الاستهداف لمصالح حلفاء سورية أيضا ومنهم الحليف الصيني بشكل كبير ويجعلنا نتفهم وجود الصين في قلب التحولات السورية إلى جانب الحلفاء بشكل اكثر تأثيرا على مشهدية هذا العدوان الذي خاضه الأصيل الأمريكي الغربي الصهيوني والوكيل الإرهابي مما يدفع بهذا المشهد للكثير من المتغيرات في ساحة الحرب الكونية مع الدولة السورية من خلال توطيد العلاقات العسكرية والاقتصادية وعلى ملف إعادة الإعمار، وما أتوقعه في المرحلة المقبلة هو تحولات كبرى في العلاقات الثنائية السورية الصينية تؤسس لمرحلة جديدة من النماء والتشارك الاقتصادي العالمي ، وتبني لعلاقات تضع مفاهيم جديدة للشراكة الاقتصادية الداعمة والمقاومة لكل أشكال التطاول والاستهداف .
باحثة سورية في العلاقات الدولية