شهد الاقتصاد الرقمي خلال فترة الوقاية من الوباء ومكافحته ازدهارا بمختلف اشكاله، مثل التسوق عبر الإنترنت، والتعليم عبر الإنترنت، والصحة والتطبيب عن بعد، وأصبح أحد أبرز التطورات الاقتصادية في الشرق الأوسط. ويعتقد بعض المحللين أنه في ضوء مجموعات المستهلكين الشباب الضخمة في البلدان الإقليمية وزيادة شعبية البنية التحتية للإنترنت، فإن التطور المستقبلي للاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط له آفاق واسعة.
أضيء برج خليفة في دبي، الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا احتفالا بإدراج هيئة التشغيل الرئيسية لمنصة الصوت المحلية يلا “Yalla “، وهو نموذج مصغر لتطوير الشركات الناشئة في المجالات ذات الصلة بالاقتصاد الرقمي لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد تم تأسيس العديد من شركات الإنترنت المعروفة في الشرق الأوسط، مثل برامج سيارات الأجرة، ومواقع التجارة الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، في البداية في الإمارات العربية المتحدة وتطورت تدريجياً لتصبح عمالقة رائدين في المنطقة.
ويعتقد الخبراء أن النمو السريع للصناعات والشركات المتعلقة بالاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط يثبت أن الحلول الرقمية أكثر مرونة في التكيف مع الأسواق الجديدة والاستجابة للأزمات. وسيكون تحول الاقتصاد الرقمي جزءًا مهمًا من التنويع الاقتصادي لدول الشرق الأوسط.
صناعات الاقتصاد الرقمي ذات الصلة تزدهر
يتزايد عدد سعاة الطلبات الذين يرتدون أزياء رسمية مختلفة ويقودون دراجات نارية ذهابًا وإيابًا في شوارع وأزقة العاصمة المصرية، القاهرة. ومصطفى أحد سعاة الطلبات، الذي انضم الى شركة التجارة الإلكترونية ” جوميا” منذ أكثر من عام، ” يعد التسوق عبر الإنترنت محاولة جديدة ويوفر أيضًا فرص عمل جديدة بالنسبة للعديد من المصريين. وقد تضاعف حجم أعمال التوصيل السريع لدينا خلال فترة الوقاية من الوباء ومكافحته.”
تظهر أحدث البيانات الصادرة عن وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، أن سوق التجارة الإلكترونية المصرية وصلت إلى 40 مليار جنيه مصري (الدولار يساوي 15.7 جنيه مصري). ووفقًا للتقرير الخاص بسوق التجارة الإلكترونية B2C في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تشير التقديرات إلى أنه بين عامي 2019 و2022، سيتجاوز متوسط معدل النمو السنوي لاستهلاك التجارة الإلكترونية في مصر 30٪.
ذكرت جمعية الاستثمار في مركز التسوق التركي مؤخرًا أن الجمعية تعمل بنشاط على الترويج لإنشاء منصة برمجية لمراكز التسوق، ومراكز التسوق غير المتصلة بالإنترنت لفتح صفحات على الإنترنت لتزويد المستهلكين بخدمات التسوق “بدون تلامس”، ومن المتوقع أن تخلق أكثر من 6000 وظيفة توزيع.
وأضافت منصة التعلم الإلكتروني السعودية“نون أكاديمي مؤخرًا، 3 ملايين طالب من خلال التعاون مع إدارات التعليم في مختلف دول الشرق الأوسط، مما ضاعف عدد المستخدمين، وحصلت مؤخرًا على جولة تمويل جديدة بقيمة 13 مليون دولار أمريكي.
في نهاية نوفمبر 2020، وبمبادرة من المملكة العربية السعودية، عقد مؤتمر بالفيديو لوزراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للدول الخمس، وهي المملكة العربية السعودية، والبحرين، والأردن، والكويت وباكستان، وتم الإعلان عن إنشاء “منظمة التعاون الرقمي”. وتهدف المنظمة إلى تعزيز التعاون في المجالات التي يحركها الابتكار وتسريع نمو الاقتصاد الرقمي. وفي ديسمبر من العام الماضي، استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة معرض الخليج لتكنولوجيا المعلومات، وشارك فيه ممثلون لـ 1200 شركة من أكثر من 60 دولة ومنطقة حول العالم لمناقشة تطور التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية والجيل الخامس.
عملية التحول الرقمي الإقليمي تستمر في التسارع
سعت دول الشرق الأوسط باستمرار في السنوات الأخيرة، إلى التنويع الاقتصادي والتحول. وعززت العديد من البلدان في المنطقة خلال فترة الوقاية من الوباء ومكافحته، دعمها للسياسات المتعلقة، ووسعت باستمرار في بناء البنية التحتية للإنترنت، وسعت جاهدة لخلق بيئة أعمال جيدة لصناعة الاقتصاد الرقمي لتعزيز عملية التحول الرقمي.
خصصت الحكومة المصرية 12.7 مليار جنيه مصري في العام المالي 2020-2021 لتعزيز التحول الرقمي، كما أطلقت خطة “مصر الرقمية”. وفي هذا الإطار، أعلنت شركة المصرية للاتصالات عن إنشاء أكبر مركز بيانات دولي في مصر في غرب القاهرة، والذي سيتم استخدامه رسميًا في بداية هذا العام. وركزت البنوك المصرية ومشغلو الشبكات مؤخرًا على الترويج للمحافظ الإلكترونية على التلفزيون والإنترنت، باستخدام الخصومات والحسومات. ومن أجل دعم تطوير التجارة الإلكترونية، ستنشئ مصر أيضًا نظامًا إلكترونيًا لتتبع البضائع ومعالجة الرسوم الجمركية على البضائع، ومن المتوقع إطلاق النظام الإلكتروني على أساس تجريبي في أبريل 2021.
تقترح خطة التعافي الاقتصادي التي أعلنت عنها دولة الإمارات العربية المتحدة أن الحكومة ستشجع على المدى الطويل الاستثمار في الاقتصاد الرقمي، والتركيز على تطوير التقنيات المتطورة، مثل تقنية 5G، والذكاء الاصطناعي لتعزيز التحول الرقمي، والتعافي بعد الوباء، كما تمت الموافقة على خطة عمل للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي في أغسطس الماضي. كما تتسارع وتيرة التحول الرقمي للصناعات التقليدية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أعلنت مجموعة موانئ دبي العالمية في أبريل 2020، عن إطلاق خدمات جديدة عبر الإنترنت لتعزيز المستوى الرقمي لإدارة الخدمات اللوجستية.
وافق مجلس الوزراء السعودي مؤخرًا على خطة تطوير الاقتصاد الرقمي للبلاد، ووضع أهدافًا محددة فيما يتعلق بتحسين البنية التحتية للإنترنت، وإنشاء منصات رقمية، وتشجيع الابتكار، وصقل المواهب، وفتح الأسواق. وأطلقت مجموعة الاتصالات السعودية مؤخرًا مراكز بيانات كبيرة الحجم في الرياض، وجدة، والمدينة المنورة، باستثمارات إجمالية تبلغ مليار ريال (1 دولار أمريكي يساوي 3.8 ريال)، بهدف تحقيق التحول الرقمي للمؤسسات الحكومية والخاصة. ويوفر تطوير الاقتصاد الرقمي المحلي دعم البنية التحتية، ويحقق هدف “رؤية 2030” في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء والأتمتة. وتعتبر هذه المرحلة الأولى من بناء مركز بيانات “الجيل القادم” التابع لمجموعة الاتصالات السعودية، ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الثانية أربعة مراكز بيانات جديدة.
كما أطلقت الحكومة الجزائرية منذ وقت ليس ببعيد، “خطة التحول الرقمي”، والتي ستنشئ منصة لربط بيانات الإدارات الحكومية، وتحسين كفاءة العمل، وإطلاق منصة خدمة رقمية تواجه الجمهور. وصرحت وزارة التربية والتعليم العمانية مؤخرًا أنها ستنشئ منصة حول التعليم عبر الإنترنت في السنوات الخمس القادمة، وتدريب الموظفين وتطوير المناهج والتعاون الأخرى، لتعزيز التحول الرقمي للتعليم في الدولة.
إمكانات كبيرة للتعاون الرقمي بين الصين ودول الشرق الأوسط
نشر موقع “اقتصاد الخليج ” الإماراتي مقالا قال فيه إن الوباء قد ألحق أضرارًا جسيمة بقطاعات السياحة والطيران والفنادق في دول الشرق الأوسط، في حين أظهر الاقتصاد الرقمي زخمًا للنمو عكس الاتجاه، مما جعل دول المنطقة أكثر وعياً بضرورة وإلحاح تعزيز تنمية الاقتصاد الرقمي.
نشر موقع “أخبار المالية” المصري مقالاً قال فيه إن الصين في طليعة العالم في مجال الاقتصاد الرقمي، ولديها العديد من الخبرات التنموية المتقدمة في الدفع الإلكتروني والبيئة الرقمية، ويستحق التعلم من التكنولوجيا الصينية والحلول الصينية. وتتطلع دول الشرق الأوسط إلى تعميق التعاون مع الصين في مجال الاقتصاد الرقمي.
“أتطلع إلى فتح حوار أوسع مع الصين في مجال الاقتصاد الرقمي وزيادة تعميق التعاون والتبادلات”. صرح سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الصين علي عبيد الظاهري مؤخرًا، أن أنشطة الاتصال عبر الإنترنت أصبحت أكثر تواترًا خلال فترة الوقاية من الوباء ومكافحته، وستلعب الرقمنة دورًا مهمًا في التعاون الثنائي بين الإمارات والصين مستقبلا.
حقق التعاون الرقمي بين دول الشرق الأوسط والصين نتائج ملحوظة في الوقت الحاضر، حيث وقعت هواوي اتفاقيات فنية مع أكثر من 10 مشغلي اتصالات في الشرق الأوسط، منها الكويت، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبحرين ودول أخرى لبناء شبكات 5G. ووقع المكتب السعودي للبيانات والذكاء الاصطناعي مؤخرًا اتفاقيات تعاون مع الشركات والمؤسسات الصينية ذات الصلة، والتي تتضمن بناء مدن ذكية، وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، وما إلى ذلك. كما أطلقت وزارة التعليم المصرية وشركة فوجيان وانغلونغ للأنترنت منتجات تعليمية عبر الإنترنت، تغطي أكثر من 22 مليون طالب وأكثر من مليون معلم في مصر، وتوفر دعم التعلم عن بعد أثناء تعليق الفصول الدراسية بسبب الوباء، ويوفر التدريس بعد الوباء خدمات طويلة الأجل. وأقيم المعرض الرقمي الاقتصادي والتجاري بين الصين والإمارات العربية المتحدة، والمعرض الرقمي التجاري الدولي بين الصين والشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المغرب)، والمعارض الأخرى عبر الإنترنت على التوالي، باستخدام الإنترنت والتكنولوجيا السحابية لابتكار نماذج خدمة المعارض، وأساليب التفاوض في التجارة الخارجية، وتعميق التعاون الاقتصادي الرقمي بين الصين والشرق الأوسط.
تعتقد وسائل الإعلام في الشرق الأوسط عمومًا أن دول الشرق الأوسط بها عدد كبير من الشباب ومجموعات كبيرة من المستهلكين، ومع تزايد شعبية وتحسين البنية التحتية للإنترنت، هناك مساحة واسعة للتطوير المستقبلي للاقتصاد الرقمي في هذه المنطقة، وهناك إمكانات كبيرة للتعاون الرقمي بين دول الشرق الأوسط والصين.