متى تحظر الحكومات العربية فيسبوك ويوتيوب؟

متى تحظر الحكومات العربية فيسبوك ويوتيوب؟ - موقع أصدقاء سورية
متى تحظر الحكومات العربية فيسبوك ويوتيوب - موقع اصدقاء سورية

نحمد الله أن مسرحية الانتخابات الأمريكية هي حتى الآن مأساة للأمريكيين وحدهم، وملهاة لبقية العالم. لكن تلك الانتخابات طرحت عدة أسباب للتفكير في مواطني الدول الأخرى.

لقد تمكن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لأنه تحدث مباشرة إلى المواطن الأمريكي العادي من خلال حسابه على موقع “تويتر”. وكانت “الدولة العميقة” التي تحكم الولايات المتحدة قد قللت في وقت من الأوقات من أهمية موقع “تويتر” ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام في التأثير على المواطنين الأمريكيين أنفسهم. وقد تم استخدام المواقع بنجاح من قبل في زعزعة استقرار الدول الأخرى، بما في ذلك عمليات تنسيق التظاهرات خلال الربيع العربي، ولكن لم يخطر ببال المؤسسة الأمريكية أن هذه الأداة يمكن استخدامها لكسر احتكار سيطرتها على العقول الأمريكية.

لكن، وبعد فوز ترامب، سارعت الدولة العميقة لتصحيح هذا الخطأ، وتم سد هذه الفجوة في الدفاع بحلول الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فسارعت الحكومة ووكالات الاستخبارات إلى اتخاذ خطوات لفرض رقابتها على وسائل التواصل الاجتماعي والحد من المعلومات “غير المرغوب فيها”. أصبح “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” أدوات فعالة لتصفية المعلومات التي تصل إلى مستخدمي هذه الشبكات الاجتماعية. فيتم حذف الرسائل ومقاطع الفيديو التي لا تتناسب مع إدارة هذه الشبكات الاجتماعية، أو على أقل تقدير، يتم وضع إشارة على أنها غير حقيقية، أو لم يتم التحقق منها. وخطابات الرئيس ترامب أصبحت خير مثال على ذلك. بل أصبح من الممكن منع وكالات أنباء برمتها من الوصول إلى تلك الشبكات الاجتماعية، إذا كانت المعلومات التي تقدمها لا تناسب إدارة هذه الشبكات.

تلك رقابة سياسية، ومن المفروض أنها محظورة داخل الولايات المتحدة الأمريكية حال كانت هذه الشبكات الاجتماعية مملوكة للدولة. لكن الملكية الخاصة لهذه الشركات لا يجب أن تضللنا، فقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي في العالم الحديث واحدة من أكثر الوسائل شيوعا للحصول على المعلومات، وبالنسبة لجيل الشباب، تعد الوسيلة الأكثر شعبية، وأحيانا الوحيدة. لهذا أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي عمليا “وزارة الحقيقة” التي تحدث عنها جورج أورويل في روايته الديستوبية “1984”، والتي تقرر ما يجب تمريره واعتباره حقيقة وما يجب حظره واعتباره مضللا.

في ضوء ذلك، فإن الحكومات العربية في وضع غامض وهش للغاية.

فهي من ناحية، لديها تجربة فعلية في الربيع العربي، يضاف إليها اليوم نفوذ قوي في شكل تقييد محتمل للوصول إلى هذه الشبكات الاجتماعية لوسائل الإعلام الحكومية، والعكس صحيح، بمعنى إعداد المحتوى على نحو يتلقى فيه المستخدمون في أي بلد المعلومات التي تختارها إدارة شبكات التواصل الاجتماعي أولا وقبل كل شيء. حيث يمكن أن يكون ذلك تصريحات لشخصيات معارضة أو إعلانات عن زواج المثليين أو أي معلومات أخرى لا تناسب الحكومات العربية، وتروّج لها الولايات المتحدة الأمريكية.

من ناحية أخرى، فإن قيام أي حكومة عربية بمنع أو تقييد الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي الأمريكية هو أمر يثير غضب واشنطن، بل وغضب قطاع عريض وشديد النشاط داخل المجتمعات العربية نفسها.

ومع ذلك، يمكننا أن نرى من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أن الأزمة الاقتصادية العالمية تؤدي إلى زيادة السخط الشعبي من الحكومات وزيادة الاحتجاجات والصراعات حول العالم. وأصبح الاتجاه، في نهاية هذا العام، نحو زيادة كبيرة في أسعار الغذاء العالمية واضحا، ما يعني أن ما ينتظرنا في عام 2021 هو موجة جديدة من احتجاجات الشوارع العربية.

لحسن حظنا في روسيا، لدينا شبكتان للتواصل الاجتماعي على الأقل، هما “فكونتاكتي” (vkontakte) و”أدنوكلاسنيكي” (زملاء الفصل)، لذلك فنحن لا نعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي الأمريكية بنفس الدرجة. ويوجد لقناة RT موقع على “فكونتاكتي” باللغة العربية. لكن، لا بديل عن وسائل التواصل الاجتماعية الأمريكية في الدول العربية. فهل يعني ذلك أن هذه الشبكات لن يتم حظرها من قبل الحكومات العربية، حال اندلاع احتجاجات جديدة، أو فيما يتعلق بالترويج العدواني لأفكار وقيم مجتمع المثليين LGBT، أو أي محتوى آخر مناهض للإسلام، تروج له الإدارة الأمريكية الجديدة؟

بصراحة، ليس لدي إجابة عن السؤال المطروح في عنوان المقال. فمن المحتمل أن العديد من الحكومات العربية تفضل الإطاحة بها في احتجاجات شعبية، عن أن تحظر “فيسبوك”، لأن غضب الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يكون أسوأ بالنسبة لها من تمرد شعوبها. ومع ذلك، قد يكون الأمر بالعكس، ولن تقتصر الأمور على فرض حظر فقط أثناء الاحتجاجات، وربما تتخذ الحكومات العربية خطوات لتنظيم وتقييد شبكات التواصل الاجتماعي الأمريكية في بلدانهم على نحو مستدام.

على أية حال، يبدو لي أن 350 مليون مواطن عربي يستحقون شبكة عربية للتواصل الاجتماعي خاصة بهم، أو التنويع في مصادر التواصل الاجتماعي على أقل تقدير. هذه القضية هي واحدة من أكبر نقاط الضعف في الدول والحكومات العربية.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT