تشكل اللغة العربية أحد أركان التنوع الثقافي للبشرية برمتها وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم وتشكل حاملا حضاريا وتاريخيا وثقافيا للإنسانية جمعاء.
وبينما كانت العربية تسري على لسان القبائل في جزيرة العرب على صورة لهجات متعددة فإنها أخذت شكلا واحدا منذ نزول القرآن الكريم بلغة قريش التي صارت القاسم المشترك بين هذه اللهجات ليكون دور القرآن الكريم في جمع العرب بتوحيد لهجاتهم ولاحقا دخلت قوميات عديدة ضمن هذه التركيبة عندما اعتمدت العربية لغة للعبادة للمسلمين بمختلف أعراقهم.
نائب رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود السيد أوضح في حديث مع سانا أن الدور الذي لعبته اللغة العربية في صلب الحضارة الإسلامية على مر العصور كان ماثلا في شؤون الحياة العربية الإسلامية ولا يمكن الفصل بين العربية وبين الأقوام الذين تكلموا بها وحافظوا عليها مبينا أن عالما يلقب بإمام النحاة وهو سيبويه ليس من أصل عربي وضع قواعد لغة الضاد كما كان الكثيرون من غير العرب يتمسكون بلغتنا ويتحمسون لها ويفتخرون بها أكثر من افتخارهم بلغاتهم الأم.
وبين مدير عام الموسوعة العربية أن لدينا علماء كثيرين في تراثنا العربي الإسلامي ليسوا عربا وإنما من أصول رومية وفارسية فهؤلاء أغنوا لغتنا بإبداعاتهم الفكرية كما أن تراثنا العربي الإسلامي لم يقتصر على ما قدمه العلماء العرب وإنما أسهم فيه أيضا علماء مسلمون من خارج الدائرة العربية كابن سينا والفارابي والكندي واحتوى إبداعات أبناء أقطار عديدة من إيران وإندونيسيا وأفغانستان وباكستان وغيرها.
ووجد السيد أن الحملات التي يشنها الغرب ضد لغتنا تسعى للهجوم على الثقافة والدين معا فالعربية هي رمز الحضارة العربية الإسلامية وهي هوية جامعة وموحدة للعرب ولجميع الأعراق التي تعيش على الأرض العربية من أكراد وتركمان وشراكس وأرمن مستشهدا بقول للشاعر بدوي الجبل: “للضاد ترجع أنساب مفرقة.. فالضاد أفضل أم برة وأب.. تفنى العصور وتبقى الضاد خالدة.. شجا بحلق غريب الدار مغتصب”.
ولا تزال لغة الضاد وفقا لصاحب كتاب “اللغة العربية واقعا وارتقاء” تشكل توقا لجميع أبناء الدول الإسلامية الذين لديهم ظمأ لان يتعلموها فهي لغة القرآن الكريم مؤكدا وجوب التمسك بها لأنها عامل وحدة لا نظير له موردا في هذا الصدد بيت للمجمعي الراحل والعالم الموسوعي الشاعر عبد الكريم اليافي قال فيه: “لم يبق شيء بأيدينا سوى لغة.. نصونها بسواد القلب والهدب”.
واستغرب السيد من لجوء بعض أبناء الأمة العربية في المحافل الدولية للتكلم بلغات أجنبية وترك لغتهم الفصيحة رغم أنها إحدى اللغات الستة المعتمدة عالميا في الأمم المتحدة وفي المنظمات التابعة لها محذرا من اقتصار بعض الجامعات الخاصة على استخدام اللغات الأجنبية في عملية التدريس وفي المناهج.
وحول مكانة اللغة العربية داخل سورية يؤكد السيد أن بلادنا كانت دائما متميزة لغويا على الصعيد القومي فاعتمدتها في جميع ميادين المعرفة مثبتة حقيقة تفوق من تعلموا بلغتهم الأم على الذين درسوا بلغات أجنبية مشيرا إلى صدور العديد من المراسيم والقوانين التي تنص على حماية اللغة العربية والاهتمام بها وصونها.
وتوقف السيد عند دور مجمع اللغة العربية في دمشق الذي يعد أبا المجامع اللغوية منذ تأسيسه منذ 100 سنة مظهرا خلالها حرصا لا نظير له في الحفاظ على اللغة وصونها فضلا عن دور لجنة التمكين العليا للغة العربية بهذا المجال عبر التنسيق الدائم مع المجمع لكونه المرجعية العليا لشؤون العربية بحكم القانون.
والحفاظ على لغتنا وفقا لرئيس اللجنة العليا للتمكين للغة العربية لا يكون فقط بالتغني والتباهي بها بل في استعمالها سليمة على الألسنة والأقلام.
وعن تأثير نشر اللغات الأجنبية على العربية اعتبر السيد أنه ليس هناك تأثير سلبي بل حالة إغناء متبادل وهذا ما جنحت إليه أمتنا العربية بماضيها حيث احترم العرب اللغات الأخرى واقتبسوا منها كاليونانية والفارسية والهندية مؤكدا ضرورة معرفة اللغات العالمية قاطبة الغربية منها كالإنكليزية والفرنسية والشرقية مثل الصينية واليابانية وغيرهما.
وختم السيد بالتأكيد على أن النهوض باللغة والارتقاء بها هو مسؤولية مجتمعية لا بد لها من الدعم الرسمي والشعبي لأن الواجب القومي والعلمي يتطلب منا البر بأمنا اللغة الأم والوفاء لها والانتماء إليها والحرص على استعمالها سليمة فهي لغة قرآننا الكريم وعنوان هويتنا الجامعة.
سانا