أثار مشروع القانون المعروض على البرلمان الروسي، بشأن حصانة رئيس الدولة بعد انتهاء ولايته، التساؤلات حول مستقبل الرئيس الروسي.
فمنذ مطلع الألفية الثالثة، وفلاديمير بوتين في سدة الحكم، رئيسا للدولة أو للحكومة.
وخلال عقدين من الزمن، سارت مياه كثيرة في روسيا وفي العالم، واقترن اسم بوتين بإعادة الهيبة لروسيا التي كادت تتفكك، على يد حفنة من “الإصلاحيين الليبراليين” كانوا يجرجرون مخمورا، ليوقع على خصخصة ممتلكات الدولة، وبيعها بالجملة، والمفرق، لعصابات مالية.
ومهما اختلف الروس، وأعداء وأصدقاء روسيا في العالم، حول السؤال “من أنت يا سيد بوتين؟” فإنّ لا أحد يختلف على أنّ البوتينية، أنقذت روسيا من انهيار متدرج، وصل ذروته عام 1999، ولم يكن أمام الأجهزة المعنية، غير الطلب من الرئيس المغيب بوريس يلتسين، الاستقالة، وتكليف السياسي المغمور في أروقة جهاز أمن الدولة استلام دفة الحكم، والبدء بعملية إعادة بناء شاقة ومكلفة، لم تنجز بدون دماء وخلال أعوام كانت المافيات المالية، تفرض إرادتها على الدولة والشعب.
من السذاجة الاعتقاد، أن بوتين، كسب أصدقاء على الدوام، بل لعل أعداء “مستر بوتين” في الداخل، أكبر من خصومه في الخارج.
ذلك لأن الرئيس الروسي؛ لم يجد مفرا من اجتثاث، تلك المراكز المالية التي عاثت في البلاد فسادا، أثناء عمليات الخصخصة، التي وصفها عمدة موسكو السابق؛ يوري لوجكوف، بأكبر عملية لصوصية في التاريخ!
ويستند الوصف إلى حقيقة، أن العصابات المالية، نهبت أغنى بلد في العالم، مواردا ، وأكبرها مساحة، وأحد أكثر شعوبها قدرات.
وخلال سنوات حكمه، كسب بوتين الأعداء، من انفصاليين، إلى عصابات المال، مرورا بجماعات متطرفة، تنتمي الى الماضي الإرهابي لليمين، واليسار الروسي، قبل وبعد ثورة أكتوبر عام 1917.
حصل سلف بوتين، بوريس يلتسين؛ على تعهد شفوي، بعدم التعرض له أو لأسرته، بعد تنحيه عن السلطة.
وخرج من الكرملين بعربة ليموزين، وحافظت أسرته على الامتيازات، بعد وفاته. بيد أن دولة تتطلع لموقع متميز، وسط دول القرار في العالم، لا يمكن إلا أن تمنح رؤساءها الحصانة في أوضاع دولية معقدة، وصراعات محتدمة، وحروب إلكترونية، مشتعلة.
وروسيا ليست استثناء من دول القرار، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي تعيش هذه الأيام أزمة، تضع إرثها الديمقراطي على المحك، بسبب سياسات وتصرفات، رئيس أخرق، وفق قناعة غالبية نظرائه الغربيين، ويرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات.
قد لا يحتاج فلاديمير بوتين، شخصيا لقانون الحصانة، إذا تخلى عن الترشح لولاية جديدة، بعد نهاية دورته الرئاسية عام 1924 ذلك لأنه منح من قبل أنصاره ومؤيديه في حزب “روسيا الموحدة” الحاكم، لقب “الزعيم الوطني” الأمر الذي يعني أنه فوق المحاسبة والمساءلة أو هكذا يفهمها عامة المواطنين الروس.
وتبقى الدولة الروسية، بحاجة إلى قانون ينظم موقع ومصير، الرئيس، مهما اختلفت الآراء، في دورات بوتين الرئاسية، والتي يبدو أنه وخلافا للمضاربات الإعلامية، لا ينوي البقاء رئيسا مدى الحياة، كما روج خصومه، بعد إقرار التعديلات الدستورية، وما يعرف بتصفير الدورات الرئاسية لبوتين تحديدا، وسط شائعات، عن صحة لاعب الجودو، الذي يدهش مواطنيه، بلياقته الرياضية وصحته الموفورة.
وإذا تقاعد بوتين، فإن روسيا محصنة، بفضل دوره المميز من الانهيار، وملقحة ضد فيروسات الساسة الخطرين والخصوم الحاقدين.
سلام مسافر
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب