مدينة حلب القديمة… متحف يضم أروع المناطق من أقدم الحضارات

يعتبر كثير من علماء الآثار حلب القديمة متحفاً مهماً يضم أروع المواقع الأثرية التي تعود لأقدم الحضارات مقدراً بعضهم عمر المدينة بثمانية آلاف عام ما جعل الشهباء من أقدم ومن أوائل المدن في العالم.

حلب القديمة التي أدرجت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1986 تقديراً لما تحويه من أنماط معمارية عربية نادرة تحدث عن أهميتها الباحث الأثري والدكتور خليل المقداد وما تحتضنه من مساجد ومعابد وخانات وأسواق وأوابد كأسس علمية وشواهد حية على عراقة المدينة.

ويؤكد المقداد أن حلب واحدة من أمهات المدن المتروبول سواء كانت في الحضارة الرعوية أم الزراعية مروراً بالحضارات الآرامية في الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد ومن ثم الحضارات الهلنستية فالرومانية والبيزنطية والإسلامية بتفرعاتها.

وعن أصالة المدينة والإرث التاريخي والحضاري لفت المقداد إلى أنه كلما توسعت الحفريات الأثرية وتعمقت داخل المدينة أو في منطقتها نجد أن تاريخها يزداد عراقة حيث توافر للمدينة كامل المقومات الطبيعية وعلى رأسها العوامل الجغرافية فهي تتربع على هضبة جبرية قاسية أكسبتها مرتفعاً أمن لها الحماية ووفر لها كسب المياه الجوفية عدا عن مناخها المعتدل.

ويذكر المقداد أن المدينة في المرحلتين الكلاسيكية والهلنستية كانت ذات منهج تنظيمي متطور إذ أخذت مسارات الشوارع تميل للاستقامة والتعامد في نقاط التلاقي وهو ما يعرف بالتنظيم الإغريقي أو الهيبودامي “رقعة الشطرنج”.

ولدى خضوع المدينة للرومان في منتصف القرن الأول قبل الميلاد وجد هؤلاء أنفسهم أمام شعب متحضر ومدينة لامعة في تطورها وتضاهي عاصمتهم روما فتعاملوا مع حلب بشكل يختلف عن أسلوبهم الاستعماري المعهود حيث أدى ذلك إلى تفاعل حضاري لافت تجلى بوصول كثير من شخصيات المنطقة إلى مراتب مرموقة في الامبراطورية الرومانية.

ويستعرض المقداد الازدهار الذي عرفته حلب في العصر الإسلامي فبنيت مساجد وخانات وأسواق كما أثر قرب المدينة من الحدود مع البيزنطيين في طابع التحصين الذي طبع أبنيتها ولا سيما في العصر الأموي وتوسيع الأسواق وإنشاء الأبنية لتفي حاجات القوات الموجودة فيها.

واستمر التنظيم القديم لحلب في العهد العباسي دونما كثير تعديل وأدت حلب دور الوسيط بين دمشق العاصمة القديمة وبغداد العاصمة الجديدة كما بقي دورها الاستراتيجي مستمرا بصفتها مدينة مركزية.

غير أن المدينة بحسب المقداد عرفت في عصر سيف الدولة الحمداني ازدهاراً مع رغبة الأخير بأن تضاهي مدن بغداد وسامراء فعرفت نهضة اقتصادية جديدة ولكنها تأثرت أيضاً بالمعارك المستمرة ضد البيزنطيين.

وفي عهد الزنكيين والأيوبيين شهدت المدينة نقلة نوعية من التطور شملت مختلف مناحي الحياة فتضاعف سكانها وزاد عدد أبنيتها وظهرت أحياء جديدة وخانات وأصلح سور حلب وفتحت فيه أبواب جديدة مع التركيز على بناء القلعة كما تم الاهتمام بالمرافق العامة فبني 64 نافورة وسبلان للماء و194 حماماً و35 مدرسة.

وتعرضت حلب للخراب نتيجة الغزو المغولي عام 1260م وكانت هي المدينة الأكثر تضرراً في بلاد الشام فشمل الخراب الأسوار والأسواق والمسجد الكبير لأن صمودها استفز المغول الغزاة وجعلهم يوغلون في تدمير معالمها.

وفي زمن الاحتلال العثماني تراجعت مكانة حلب العسكرية والدفاعية ولكنها بحسب المقداد حافظت على أهميتها الاقتصادية متحدية الإهمال وأزمات القحط وغدت مركزاً تجارياً دولياً مستفيدة من تنامي تجارتها مع العالم الخارجي كصلة وصل بين آسيا وأوروبا.

ورغم ما طال حلب القديمة من تخريب وتدمير ممنهج في سنوات الحرب الإرهابية فإن الشهباء تنهض من كبوتها وتخرج من تحت الرماد كما كانت دائماً لتضمد جراحها وتؤهل ما خرب وما ترميم سوقي السقطية والخابية الأثريين إلا البداية في ترميم ما دمرته يد الإرهاب.

سانا