“ميثاق الشرف الإعلامي” ينزف في شوارع بيروت ,,, بقلم : بسام رجا

"ميثاق الشرف الإعلامي" ينزف في شوارع بيروت ,,, بقلم : بسام رجا

من الواضح أنَّ الدقائق الأولى لانفجار ميناء بيروت أظهرت أننا أمام مادة تحريضية قادها إعلام “الفوضى الخلاقة” وبدأ التحرك المنسق سياسياً مع “محور” إسقاط لبنان في الوصاية الدوليّة.

منذ اللحظات الأولى لوقوع الانفجار في ميناء بيروت، بدأ التضليل ودبَّت فوضى التّحليلات

في مجال التنظير في الإعلام ودوره، يتصدَّر بعض الإعلام العربي “الريادة”، ويفتتح خطابه عن “ميثاق الشرف الإعلامي” كرائد في تقديم الحقيقة. وبالطبع، يغلّف كلّ ذلك برسالة “ثقافية” و”إنسانية” في نقل “الواقع”، ويقدم نفسه على أنه صانع للخبر ورائد في تجربة إعلاميّة منحته تفرّداً وخصوصيّة.

السّؤال الّذي يفرض حضوره هنا: هل تزوير الحقيقة وتدميرها، وخلق اصطفافات دموية، والسعي إلى “سوبرمانية” خلبية لجذب المشاهد، تدخل في ميثاق الشرف الإعلامي؟! وأين بعض الإعلام العربي من أولوياته في ميثاق الشّرف الإعلامي، الذي يؤكّد المصداقية في نقل الخبر وعدم تغذية الحقد والكراهية، وهي أولويات لا تحتاج إلى ميثاق، بل تشكّل واسطة العقد في الإعلام ودوره الريادي؟!

لن أدخل هنا في تقييم أداء بعض الإعلام العربي، فهذه القراءة تحتاج إلى ساعات طويلة، لكن من بوابة الأمانة الصحافية، أستطيع القول إن السقوط المدوي لقنوات اعتاشت على التضليل، لن تمكّنها كل “ديباجات” التزييف والتلطّي وراء الشعارات من مصادرة مكانة ودور الإعلام النظيف الذي أثبت جدارة الحياة قبل كل شيء، وأعاد الثقة للمتابعين بصدقية الخبر، وانطلق من مصداقية عالية في نقل الواقع من دون أجندات مسبقة، وهو ما نعوّل عليه في ظل فوضى المفاهيم وقلب الحقائق رأساً على عقب.

منذ اللحظات الأولى لوقوع الانفجار في ميناء بيروت، بدأ التضليل. دبَّت فوضى التّحليلات، وقدّمت لنا بعض القنوات الخليجية واللبنانية “روايتها” بأن ثمة سلاحاً مخزناً في الميناء، وبدأت تنسج قصصها البوليسية عن مقدار الكمية الهائلة للأسلحة. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت القنوات ذاتها برفع منسوب قصفها الإعلامي، لتشير إلى أن من يدير مرفأ بيروت ويشرف عليه هو حزب الله.

لم تكن تعني تلك القنوات مشاهد الدمار والدماء التي لم تجف بعد، والجثث المتناثرة، والجرحى في الشوارع، وحجم العصف الذي لفَّ بيروت. ما كان يعنيها فقط، أن تصدر صورة تقول إنَّ تفجير المرفأ هو نتيجة لـ”فوضى السلاح”، وكأن ما تنتظره تلك “القنوات” ومن يشرف عليها سياسياً هو جرّ الشارع اللبناني إلى حرب تعيد إلى الذاكرة الحرب الأهلية في العام 1975!

غابت عن تلك القنوات وجوه الناس، وهي لم تكن تبحث إلا عن حرائق جديدة كمادة تزوّد بها من ينتظر لحظة الانقضاض على “الفريسة”. ومع مرور الدقائق والساعات، وتكشّف مراحل مهمة من التفجير، وطبيعة المواد المكدسة في الميناء (نترات الأمونيوم)، والفساد المؤسَّساتي الذي ينخر الدولة اللبنانية، واصلت تلك القنوات حربها الإعلامية، وكأنها جوقة واحدة وكلمة سرّ أتقن فيها اللاعبون الأدوار.

تحضرني هنا كلمات مدير مكتب “الميادين” في فلسطين المحتلة، ناصر اللحام، الذي أشار إلى أنَّ بعض قنوات الاحتلال لم تتبنَّ رواية بعض الإعلام العربي بأنَّ حزب الله يقف وراء الانفجار، ونبَّهت إلى أنّها غير دقيقة. ما يهمنا هنا هو أن ندقّق في جوهر الرسائل التي تعمل عليها هذه القنوات، وإلى أين تذهب في خطابها.

من الواضح أنَّ الدقائق الأولى لانفجار ميناء بيروت أظهرت أننا أمام مادة تحريضية بيّنة قادها إعلام “الفوضى الخلاقة”، وبالتالي بدأ التحرك المنسق سياسياً مع “محور” إسقاط لبنان في الوصاية الدوليّة. وترافق كل ذلك مع إطلاق تهديدات استقالة نواب بعض الكتل الحزبية، والذهاب إلى خيارات دولية “تنقذ” لبنان من حالة “الانهيار التي يقف وراءها حزب الله وأجنداته السياسية”.

لم يقف التحريض عند هذه الحدود، بل تعداه ليستغلّ معاناة أهل بيروت وجراحها، للتصويب على حكومة رئيس الوزراء الدكتور حسان دياب، والمطالبة باستقالتها، والتعاطي مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كمنقذ يحمل الحل “السحري”، وكأن الأزمة التي تضرب لبنان لم تؤجّج نيرانها مطالب الغرب والولايات المتحدة الأميركية بشروطهما الكارثية مقابل دعم لبنان اقتصادياً وسياسياً.

ورغم كلّ القصف الإعلاميّ المتواصل، والتحريض من قبل الأحزاب السياسية المرتبطة بمشروع “حياد” لبنان، ورهنه في عهدة صندوق النقد الدولي، تعاطى حزب الله بمسؤوليته الوطنية العالية في تهدئة الأجواء، وحملت كلمة السيد حسن نصر الله قراءة أولية للكارثة، والواجب الوطني الذي يجب أن يسود لدى الشعب اللبناني وقواه السياسية. وقد وضع النقاط على الحروف في ما أشيع من تأويلات وتضليل، ليكسر السهام التي وجهت إلى الحزب، وأن ما يهمه هو أن المقاومة تعرف عن ميناء حيفا أكثر مما تعرف عن ميناء بيروت، وهذه تختصر جوهر قراءة الحزب لطبيعة المواجهة.

ولم يلتفت السيد حسن نصر الله إلى التصريحات الدولية، ومطالبة بعض القوى الحزبية اللبنانية بإجراء تحقيق دولي في انفجار المرفأ، مشيراً إلى أن الجيش اللبناني مؤسَّسة تحظى بتقدير الكل اللبناني، وهي المؤهلة في قرارها السيادي لإجراء التحقيقات.

ويبدو أنَّ مناخات التهدئة، والتعاطي المسؤول مع انفجار بيروت، والدعوة إلى فتح ملفات الفاسدين، رفع من خطة التصعيد إعلامياً وسياسياً. وقد ذهبت بعض قنوات التحريض إلى قراءة خطاب السيد بأنه محاولة “تبريرية” و”عجز”.

إن محاولات تأجيج الشارع اللبناني، وتصعيد القصف الإعلامي والسياسي تجاه المقاومة، لن تنجح، ولن تتمكن من “إغراء” جمهور المقاومة لجره إلى ساحات الاشتباك التي يشعل نيرانها من يراهن على ظروف مؤاتية.

ما تشهده بيروت من تجمّعات غاضبة قد يستغلّ بعضها إعلام التحريض الباحث عن “انتصار”، وهو يعرف أنه سيفشل في مهمته، ولن ينجح في تعويم قوى سياسية تحاول أن تدخل لبنان إلى “عصر” التعايش مع كيان الاحتلال، وهي تجاهر بشراكتها مع السفارات الغربية لإنتاج اتفاق 17 أيار جديد. ولمن لا يقرأ، فليدقّق في كلام السيد حسن نصر الله بأن زمن الهزائم ولّى، وإلى غير رجعة.

ما حصل بعد انفجار المرفأ في بيروت فتح شهية بعض القوى السياسية كي تعلن، وبشكل نهائيّ، عن خياراتها، وتشهر مواقفها، وتؤكد تمسّكها بالأجندة الأميركية.

ومن دون استفاضة، من الواضح أنّ العناوين البارزة في ساحة المواجهة تعلن عن نفسها لتضييق “الخناق” على المقاومة، في ظل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وعنوانها الأبرز “صفقة القرن”، التي تريد أن ترسم صورة “المستقبل”، كما تعدّ له واشنطن، ومعها كيان الاحتلال وبعض النظام الرسمي العربي، ويمهّد لكلّ ذلك إعلام الانحدار.

المصدر- الميادين

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً