تل الحسكة الأثري… موقع احتضن أثار ثلاث حضارات كبرى

في وسط مدينة الحسكة وعلى الضفة اليسرى لمجرى نهر الخابور وبعد 1700 متر من ملتقى نهري الخابور والجغجغ يتربع تل أثري يعد من أكبر التلال في المحافظة من حيث الحجم.

وعبر سنوات من التنقيب المنهجي عملت البعثة الأثرية الوطنية في دائرة آثار الحسكة لمعرفة الدور الذي لعبه الموقع خلال 2000 عام قبل الميلاد والقرون اللاحقة والتأكد من فرضية أن هذا التل يحتوي مدينة مكريزي العائدة للفترة الآشورية والتي ذكرت في الرقم المسمارية المكتشفة في “دوركاتليمو” المعروف حالياً بتل “الشيخ حمد” في دير الزور.

الباحث الأثري الدكتور عبد المسيح بغدو الذي عمل مديراً لأثار الحسكة خلال مواسم التنقيب المتتالية في الموقع بين أعوام 2008 و2011 أوضح أنه تم الكشف عن ثلاث سويات وهي الأولى ترجع للفترة العائدة للحضارة العربية الإسلامية 700-1500 ميلادي والسوية الثانية تعود إلى فترة الحضارة البيزنطية 400-700 ميلادي حيث عثر فيها على كاتدرائية يعود تاريخ عمارتها إلى الفترة المسيحية المبكرة كما استمر استخدامها خلال العصرين الأموي والعباسي أما السوية الآشورية فتم الكشف فيها عن زاوية مبنى ذي أهمية تعود للعصر الآشوري الحديث.

وتبين للفريق الآثاري العامل في الموقع بحسب بغدو أن الكاتدرائية بنيت من الحجر البازلتي وهي مكسية ومطلية بمادة الجص طولها 31 متراً وعرضها 18 متراً كما بلغ ارتفاع بعض الأجزاء المكتشفة من جدرانها 2.10 متر وتتألف من ثلاثة أقسام الأول وهو الصحن مكون من ثلاثة أروقة وأرضية مرصوفة باللبن المشوي على شكل بلاطات تضمنت أشكالاً هندسية متنوعة ويفصل الأروقة الثلاثة عن بعضها قواعد لأعمدة مصنوعة من الحجر البازلتي عليها تيجان جصية مزينة بزخارف وصلبان.

أما القسم الثاني من الكاتدرائية “قدس الأقداس” فيتألف من الهيكل المتوضع في الوسط وإلى الجنوب منه غرفة المعمودية وتحتوي على جرن محفوظ بحالة جيدة كما عثر فوقه على صندوق الذخائر الذي يحتوي “عظام شهداء” قتلوا زمن الاضطهاد الروماني ضمن طاقة جدارية وإلى الشمال منه غرفة الشمامسة وعثر بداخلها على دنين من الفخار وسراج مصنوع من البرونز وختم حجري.

وبين بغدو أن الفريق الأثري عثر في القسم الثالث من الكاتدرائية على معصرتين لتحويل العنب إلى خمر تعودان لفترتين مختلفتين في حين كشف في الجهة الجنوبية عن قاعة احتوت كرسياً مصنوعاً من الحجارة البازلتية المجصصة يعتقد أنه مخصص للمطران”.

وبالعودة إلى تفاصيل “جرن المعمودية وصندوق الذخائر” بينت الدراسات أن الجرن مصنوع من الحجر الكلسي القاسي وضع على مصطبة ملاصقاً لجدار غرفة المعمودية الشرقي بارتفاع 85 سم وعرض 80 سم وقطر فتحة الجرن 62 سم.

أما غطاء صندوق “مقام الشهداء” فمصنوع من حجر الرخام وارتفاعه 37 سم وطوله 41 سم بعرض 32 سم والعمق من الداخل 16 سم حيث عثر بداخله على عظام بشرية كما وجد على الغطاء ثقوب مطلة على جرن المعمودية ومن المرجح أنه كان يوضع في الصندوق زيت من الأعلى ويمرر عبر عظام الشهداء ثم ينزل بواسطة ثقب الصندوق إلى جرن المعمودية ليتبارك منه زوار الكاتدرائية.

وبحسب بغدو فإن الكاتدرائية جزء من مجمع ديني ضم أيضاً كنيسة ومقبرة شيد في القرن الرابع الميلادي واستمر استخدامه حتى القرن الحادي عشر الميلادي.

سانا