لبنان والانفجار الكبير

ملامح الانفجار الكبير باتت واضحة بعد تعثر الحكومة اللبنانية في إنقاذ ليرتها، كل المعطيات على الأرض توحي بقرب انهيار اقتصادي مرعب لا تُحمد عقباه. وقد أكدت الجهات الرسمية اللبنانية على اختلاف توجهاتها أن كرة النار تتدحرج بسرعة، َولن ينجو منها اي قطاع اقتصادي سواء كان زراعيا أو تجاريا مروراً بالمدارس وصولاً إلى قطاعي النفط والاتصالات، ولا يستبعد العجز عن تسديد الرواتب والأجور، والأهم أن معنيين في قطاع الكهرباء وجهوا تحذيرا عبر «نداء الوطن» من أن لبنان سيكون مهددا بعتمة شاملة في الأشهر القليلة المقبلة مع احتدام أزمة الوقود والديزل والتحويلات النقدية بالعملة الصعبة، واستنزاف مخزون الدعم المالي من احتياطي المصرف المركزي، كلها أمور تشي بتفاقم أزمة البطالة وبشكل غير مسبوق، علماً أن أكثر القطاعات عرضة للإقفال هي السلع المعمرة، كالسيارات والمفروشات، حيث تشكل ثمانين في المئة من النشاط التجاري في لبنان. بغض النظر عن الاتهامات المتبادلة بين المسؤولين في لبنان، فإن اسباب الأزمة معقدة ومرتبطة بفشل السياسة الهشة بعد الحرب الأهلية، ولعل أبرزها هو إهمال الإنتاج الاستهلاكي والزراعي، إضافة إلى سياسة لبنان في اعتماد تثبيت سعر الصرف، الذي أدى إلى تدافع لبنانيي الخارج والعرب لإيداع أموالهم في لبنان، أما الحكومة فكانت تستدين المبالغ من المصارف بفوائد كبيرة لتُصرف تلك الأموال لاحقا بشكل خاطئ مما أغرق الحكومة بالديون الكبيرة، وكما هو معروف ان الوضع الدولي اليوم لا يسمح لأي بلد ان يمد يد العون، كما كان يحدث سابقا، فأزمة كورونا عطلت الاقتصاد العالمي، وليس هناك بلد قادرعلى تقديم المساعدات المالية (كفرنسا مثلا). لست بصدد الخوض في تفاصيل أسباب هذا الانهيار بشكل دقيق إلا أن النتيجة الأكيدة اليوم أن لبنان تحول فعليا إلى أكثر بلدان العالم من حيث نسبة الدين قياسا إلى الناتج المحلي. ومع كل أسف وبغض النظر عن الواقع السياسي في لبنان إلا أن ما يلفت الانتباه هو ابتعاد بلداننا بشكل عام عن الخوض في الإنتاج المحلي الكفيل الوحيد بإنعاش اقتصاد أي بلد في العالم، ولكننا مع الأسف نتفاخر بتهريب استثماراتنا إلى الخارج لتبقى بلداننا ملاذا للغير. لا يمكن لأي شعب في العالم أن ينهض نهضة حقيقية إن لم يعتمد على سياسة داخلية قوية تستند إلى معطيات البلد ذاته، وإلى تشغيل كل الفئات المحتاجة وإلا فالنتيجة هي ما يحصل اليوم، كان الله في العون.

فخري هاشم السيد رجب

للمزيد: https://alqabas.com/article/5783781