يكثُر الحديث في هذه الأيام لا بل يكاد يكون الحديث الطاغي على ما سواه حول ” قانون قيصر ” الأميركي الهادف الى معاقبة سورية وكل من يتعامل معها سواء كانوا دولاً أو شركات أو أشخاص.
قبل الدخول في شرح اهداف وتداعيات ” قانون قيصر ” لا بد من تعريف مباشر وسريع له على مستوى القانون الدولي وهو المدخل الذي من خلاله يمكن لسورية والدول والشركات المعنية التعامل معه اقلّه بما يرتبط بتعرية هذا ” القانون ” ومواجهته.
وقبل مقاربة ” قيصر ” لا بدّ من الإشارة الى انّ هذا القانون وإن كان يسمّي سورية فإن استهدافه الرئيسي هو لبنان وتحديداً سلاح المقاومة وهو ما سأبينه في ختام هذه المقالة بعد تبيان البعد القانوني ل ” قيصر وما سبقه من قرارات وتأثيراته على سورية .
أولاً : في السياق .
في السنوات ال 45 الأولى لنشوء الأمم المتحدة لم تصدر سوى عقوبتين الأولى على روديسيا الجنوبية بقرار سنة 1966 أُعيد تفعيله سنة 1970 ومن ثم العقوبات على جنوب افريقيا سنة 1977 وإعادة تفعيل القرار سنة 1984 ، وكان ذلك خلال ” الحرب الباردة ” حيث شكّل الإتحاد السوفياتي عامل توازن منع اعتماد العقوبات كوسيلة الا اذا تطابق الأمر مع ميثاق الأمم المتحدة وخصوصاً المادتين 39 و 41 اللتين تحددان شروطاً لتنفيذ العقوبات تتعلق بتهديد السلام والأمن الدوليين وخصوصاً في حالات العدوان من دولة على أخرى .
الاّ انّ الأمر اختلف بعد انهيار الإتحاد السوفياتي حيث باتت الهيمنة الأميركية على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقحة ولا تراعي اية قوانين ولا مواثيق ما أدخل دولاً كثيرة في دائرة العقوبات لأنها تخالف في سياساتها سياسة اميركا وهو أمر تكرّر كثيراً وطال دولاً كثيرة منها العراق وهاييتي ويوغسلافيا والصومال وليبيا وليبيريا وانغولا وراوندا والسودان الى ان استعادت روسيا وريث الإتحاد السوفياتي والصين هيبتهما من جديد فباتت أميركا عاجزة عن تمرير العقوبات عبر الأمم المتحدة بسبب الفيتو الروسي والصيني ما أجبر اميركا على الاستعاضة بقوانين أميركية لم تسلم منها روسيا والصين ايضاً وباتت تشمل كل من يعارض سياسة الهيمنة الأميركية .
ولسببين هما عدم توفر شروط العقوبات وأحاديتها يمكننا اعتبار قوانين العقوبات الأميركية غير قانونية وغير إنسانية لأنها تهدف الى فرض شروطها على الدول وليس تحقيق السلام والأمن الدوليين وهو ما يجب ان يشكل مادّة قانونية يجب توفير كل ما يلزم لها من مستندات لمقاضاة أميركا عندما تتهيأ الظروف لذلك وإدانة مسؤوليها بجرائم ترقى الى جرائم الحرب بسبب ما سببته هذه العقوبات من مآسي وفظاعات على شعوب كثيرة ومنها شعب العراق على سبيل المثال لا الحصر .
ورغم فقدان أميركا التأثير في اتخاذ قرارات أممية الاّ انّ نفوذها على المستوى الاقتصادي وارتباط النظام المالي العالمي بالدولار مكّن حكّامها من ممارسة الضغوط عبر العقوبات والحصار الذي رغم آثاره السلبية على مستوى المعيشة في الدول المستهدفة الاّ انّه لم يحقق الغايات المطلوبة في الإخضاع السياسي ، لا بل على العكس شكّل بالنسبة لدول ككوبا وايران بشكل أساسي من تفعيل الإنتاج والوصول الى حدود كبيرة من الاكتفاء ما قلّل الحاجة الى الدولار لدى هذه الدول رغم انّه لم يُلغيها .
وبما يرتبط ب ” قانون قيصر ” المرتبط بسورية لا بد من الإشارة الى أنه ليس القانون الأول فقد فرضت أميركا أولى عقوباتها على سورية سنة 1979 حين اعتبرتها دولة داعمة للإرهاب حيث وضعت وزارة الخارجية الأميركية سوريا على لائحة الإرهاب.
وبناءً عليه فُرضت عليها العقوبات بموجب قانون المساعدة الأمنية الدولية وضبط تصدير الأسلحة .
كما فرضت أميركا في عام 1981 حظراً على استفادة سوريا من المساعدات الأميركية. والحظر الأخير في هذا المجال يظهر في قانون الاعتمادات الموحدة لعام 2010، والذي ينص على أنه ليس «لأي من حكومات كوريا الشمالية وكوبا وإيران وسوريا أن تستفيد من هذه الأموال .
قبل العام 2010 لا بدّ من التذكير أن الكونغركس الأميركي اصدر ” قانون محاسبة سورية ” في 12 كانون الأول / ديسمبر سنة 2003 ومن ثم العمل على اصدار القرار الأممي 1559 والذي تم تنفيذ أجزاء منه بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري بخروج القوات السورية من لبنان .
وتندرج العقوبات على سورية ضمن ثلاث فئات :
1- فرض حظر على كل الصادرات الى سورية استناداً الى قانون محاسبة سورية وحظراً على الشركات الأميركية ومنعها من العمل او الاستثمار في سورية ، وحظر سفر الأميركيين على متن طائرات سورية ، إضافة الى خفض العلاقات الديبلوماسية ووضع قيود على سفر الديبلوماسيين السوريين الى اميركا ، ومنع التحويلات للممتلكات السورية في أميركا سواء كانت لأفراد او لشركات ، وهو الحظر الذي تم تجديده في عهد باراك أوباما سنة 2010 .
2- شمول العقوبات شخصيات سورية سياسية وعسكرية واقتصادية ومنعها من النفاذ الى النظام المالي الأميركي والعالمي بسبب تعاملها مع ايران ومنظمات إرهابية بحسب الادعاء الأميركي .
3- فرض حظر على مصرف سورية المركزي ومنع المصارف الأميركية من التعامل معه بأي شكل من الأشكال .
وبالعودة الى ” قانون قيصر ” وما يتضمنه فليس هناك من جديد في هذا القانون قياساً على القوانين السابقة سوى مسألة تفاصيل تقنية جديدة تتعلق بإعادة الإعمار وهو أمر حسمته سورية على لسان الرئيس بشار الأسد ان السوريين وحلفاء سورية هم من سينفذ عمليه إعادة الإعمار وهذا يعني الشركات الروسية والصينية بالدرجة الأولى التي لم تعبأ بالعقوبات السابقة ولن تعبأ ب ” قيصر ” الجديد .
وبما يرتبط بالمتضررين فإن سورية التي تعاني من أزمة مالية حالية لا ولن تعاني من أزمة اقتصادية وشتان ما بين الأزمتين ، فالاقتصاد السوري وان كان في حالة معاناة فإنّ البنية المطلوبة لتفعيل الاقتصاد موجودة وتعمل ويمكن إعادة عجلتها من خلال توسيع عملية انتاج السلع الزراعية الإستراتيجية وإعادة تفعيل البنية الصناعية التحويلية المرتبطة بالزراعة وكذلك بالنسبة للصناعة بشكل عام وهو أمر يمكن برمجة إعادة تفعيله اذا توفرت الإرادة بموازاة تفعيل قوانين مكافحة الفساد والحد من الهدر وكسر الاحتكار والحلقات الوسيطة وهو بحد ذاته موضوع يحتاج الى بحث خاص ، لكن على العموم فإن تأثيرات ” قيصر ” على سورية لن تكون بالمستوى الذي يتم التهويل فيه إعلامياً .
وبالإضافة الى ما تقدّم بما يتعلق بتفعيل الإنتاج والوصول الى الاكتفاء وتجاوزه للعودة الى التصدير ، لا بد ايضاً من الإشارة الى انّ روسيا وإيران وكذلك الصين وأصدقاء آخرين لسورية سيكونون الى جانبها في هذه المرحلة الى ان تستعيد سورية سيطرتها الكاملة على مناطق النفط والزراعة شمال شرق الفرات وهي ما تحرص أميركا على استمرار سيطرتها عليها عبر الانفصاليين الكرد لتعميق الأزمة المالية واستمرارها .
أما التهديد الأخطر والحقيقي فهو ما يستهدف لبنان حيث الانقسام السياسي الخطير والشلل الكامل لقطاعات الإنتاج وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية ووضوح الضغوط الأميركية المباشرة وعبر وكلاء اميركا في لبنان الى مستوى عالٍ من الوضوح حيث الإعلان عن الهدف وهو مقايضة سلاح المقاومة بازدهار محتمل من خلال إغراق لبنان وتكبيله مجدداً بقروض مشروطة لن تقدم او تؤخر في إيجاد حل ناجع ودائم .
وفي هذه الحالة سيكون لبنان أمام استحقاق خطير يستدعي المواجهة لا الخضوع وهو موضوع الانقسام الأساسي الذي يجعل الحكومة الحالية مضطرة الى سلوك طريق ذو افق مسدود عبر استجداء فترة سماح من الأميركيين بتجنيب لبنان والشركات اللبنانية ورجال الأعمال اية عقوبات كما حصل مع العراق وتركيا بخصوص العقوبات على ايران وهو حل افتراضي وإن حصل فهو حل مؤقت لا يُسمن ولا يُغني من جوع .
ويبقى ان المخرج الوحيد للبنان للخروج من أزماته هو تفعيل العلاقة مع سورية والتوجه شرقاً نحو العراق وايران وروسيا والصين وهي الدول نفسها التي كانت ولا زالت الى جانب سورية وسيسرها ان تضيف لبنان الى مجالها الحيوي في البعد الاقتصادي زراعياً وصناعياً وفي قطاعات الطاقة والنفط على اعتبار انّ لبنان اولاً وأخيراً الى جانب سورية مفتاح شواطئ المتوسط لمشروع الحزام والطريق ولمشروع اوراسيا الكبير .
موقع العهد