بمناسبة إعلان الدستور الروسي الجديد الدبلوماسيون الأمريكيون يرفعون علم المثليين في موسكو.

بمناسبة إعلان الدستور الروسي الجديد الدبلوماسيون الأمريكيون يرفعون علم المثليين في موسكو.
بمناسبة إعلان الدستور الروسي الجديد الدبلوماسيون الأمريكيون يرفعون علم المثليين في موسكو.

يوم الخميس الماضي 25/06/2020، رفع الدبلوماسيون الأمريكيون علم المثليين على مبنى سفارة بلادهم في موسكو.

جاء ذلك احتفاء بالذكرى الثانية والأربعين لأول ظهور لعلم “قوس قزح” رمزًا للمثلية، وذلك في سان فرانسيسكو الأمريكية عام 1978.

بيد أن هذه الحادثة أثارت استغراب الروس، ولا سيما أنها تزامنت مع بدء التصويت على حزمة التعديلات الدستورية، والذي ينتهي يوم الأربعاء في 01/07/2020. إذ إن إحدى هذه التعديلات تقترح “حماية مؤسسة الزواج كاتحاد بين الرجل والمرأة”.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أدلى بتصريح، في إبان الاجتماع الأخير لمجموعة العمل المعنية بإدخال التعديلات على الدستور الروسي في 13/02/2020، مشيرا إلى زواج المثليين، بأن العائلة في روسيا لن تتألف من “والد رقم 1” و”والد رقم 2″، وأنها ستتألف فقط من “بابا وماما” ما دام هو رئيسا للبلاد.

يجب القول إن بوتين يشدد، منذ اعتلائه سدة الرئاسة عام 2000، على تمسكه بالتقاليد، وعلى أن روسيا، بلد القيم الأصيلة، تواجه الوثنية الغربية الجديدة.

فقد قال في أحد خطاباته: “نحن نرى كيف أن دولاً يورو-أطلسية سارت على طريق التخلي عن جذورها، بما في ذلك عن القيم المسيحية، التي تشكل أساس الحضارة الغربية؛ فهي تنكر المبادئ الأخلاقية وأي هوية تقليدية: قومية، ثقافية، دينية بل وجنسية. وتنتهج سياسة تضع على مستوى واحد العائلة المتعددة الأطفال وشراكة مثليي الجنس، الإيمان بالله والإيمان بالشيطان…”، محذرا من أن ذلك هو “طريق مباشرة إلى الانحلال”.

ولذا لم يكن مفاجئا للعارفين حظر مجلس النواب الروسي (الدوما) في عام 2013 الدعاية للشذوذ الجنسي والإجهاض، وحظره الإجهاض بعد الأسبوع الثاني عشر من الحمل.

ولم تكن غريبة نتائج استطلاع للرأي أجري عام 2013، حيث أظهر أن 74% من الروس لا يتقبلون المثلية الجنسية خلافا للمجتمعات الغربية “المنفلتة من كل عقال”.

وقد حذر من ذلك قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، في انتقاداته القاسية، التي وجهها في “إنجيل الحياة” عام 1995 إلى الغرب لخضوعه لـ “ثقافة الموت”، والتي قصد فيها “الجرائم المنافية للأخلاق وخنوع الغرب أمام الثورة الجنسية وتفشي الطلاق، والفسق في كل مكان، والفن الإباحي، واللواط، وحركات تحرير المرأة، والإجهاض، وزواج مثليي الجنس، والقتل الرحيم، والانتحار بمساعدة الآخرين، والاستعاضة عن القيم المسيحية بقيم هوليود”.

بيد أن نجم هوليود السابق، الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان شدد، في إبان زيارته إلى الاتحاد السوفياتي عام 1988، على مكانة الأسرة في المجتمع الأمريكي، وأكد أن الأفلام ليست الوسيلة الفضلى للتعرف إلى واقع الحياة العائلية في الولايات المتحدة.

وبالطبع، اللجوء إلى الأفلام ليس الطريقة المثلى لمعرفة أي بلد.

ولكن ماذا عن رئيس أمريكي راحل آخر هو جورج بوش-الأب، الذي لم يجد حرجا في أن يصبح شاهدا على عقد قران امرأتين في عام 2013؟

وماذا عن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما – “رئيس وحليف وبطل ورمز” المثليين، كما جاء في عام 2015 على غلاف مجلتهم الشهرية؟

هذا عن العالم الجديد، فماذا عن القارة العجوز؟

في عام 2009، قررت الكنيسة اللوثرية في السويد تزويج المثليين. وكان البرلمان السويدي في وقت سابق من العام نفسه أقر تشريعا يسمح للمثليين بالزواج قانونيا. وفي العام نفسه أصبحت امرأة مثلية أسقفا لوثريا لمدينة ستوكهولم.

وفي عام 2017، صوتت الكنيسة الأسقفية في اسكتلندا لكي تسحب من عقيدتها العبارة، التي تنص على أن الزواج هو اتحاد “بين رجل وامرأة”، واحتفلت بالعديد من الزيجات بين مثليين.

ذلك على الرغم من أن السيد المسيح قال بكل وضوح: “مِن بَدْءِ الخليقة، ذكرا وأنثى خلقهما الله. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته”.

كذلك، وفي العام الماضي 2019، وبعد بحث استمر أربعة أعوام، أصدر الكاتب الفرنسي المتخصص في علم الاجتماع فريدريك مارتيل كتابا جديا بعنوان “سدوم”، أكد فيه أن “الفاتيكان هو أحد أكبر مجتمعات الشاذين جنسيا في العالم”.

وبالفعل، لقد تحول الغرب إلى سدوم جديدة، في تهافته على الفواحش.

على أن “التحرر” في الغرب لم يعد وقفا على المسيحيين.

فقد ظهر عام 2010 في مدينة ملبورن الأسترالية إمام مسجد مثلي، طلق زوجته لرفضه الاستمرار في العيش “حياة مزدوجة”.

وظهر عام 2013 إمام مسجد في واشنطن يفاخر بمثليته وعشقه معاشرة الرجال. هذا “الإمام” ترعرع في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان.

أما في مدينة مرسيليا الفرنسية فيقيم الداعية الجزائري المثلي لودفيك محمد زاهد، أو بالعربية لطفي محمد زاهد.

في ضوء كل ذلك، وخلافا للصور النمطية عنها، تبدو روسيا نسيجة وحدها، ولا سيما أن الحديث يدور عن مأسسة الشذوذ الجنسي والدعاية له وليس عن الحرية الجنسية، التي ترسم حدودها تربية الشخص هنا وقيمه الدينية.

يجب التذكير هنا بأن معرفة روسيا أيضا لا تتم عبر الأفلام الغربية أو حتى الأفلام والقصص والمنشورات الروسية الحديثة، أو بما ينشر عنها في الصحافة العالمية الصفراء الرخيصة منذ سنوات التسعينيات العجاف من القرن الماضي.

هذا، وقد جاء رفع علم المثليين الاستفزازي على مبنى السفارة الأمريكي في موسكو في الوقت المناسب، ولعل كثيرين من الروس المحافظين سيردون على ذلك بالتصويت لمصلحة إدخال التعديلات على الدستور الروسي.

ورب ضارة نافعة!

حبيب فوعاني

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب