أثارت قضية مقتل الأمريكي جورج فلويد اضطرابات في الولايات المتحدة، تحاكي تلك التي شهدتها بلدان الثورات الملونة والميدان والربيع العربي، وحملت المراقبين على تسميتها بالربيع الأمريكي.
قضية فلويد لم تكن الأولى من نوعها خلال العقد الأخير في الولايات المتحدة، حيث خرج في يونيو 2010 مئات المتظاهرين من أصول إفريقية إلى الشوارع في مدينة أوكلاند بكاليفورنيا احتجاجا على الحكم الصادر بالسجن عامين بحق الشرطي الأبيض جوهانس ميزيرل، الذي أدين بالقتل غير المتعمد.
ميزيل في إفادته أمام المحكمة سوّغ إطلاقه النار على ضحيته من أصول إفريقية، بأنه خلال فض عراك في إحدى محطات القطار، “أخطأ” في استخدام الأسلحة التي في حوزته، وعوضا عن مسدس الصدمات الكهربائية، أشهر سلاحه الفردي وأطلق منه الرصاص ليصيب أحد الفارّين من العراك، ويرديه قتيلا… رصاص جوهانس أدرك الفارّ في ظهره.
متطوع دافع عن نفسه
عمّت الاضطرابات والمواجهات بين الشرطة والمحتجين في يوليو 2013 لوس أنجلوس، وشيكاغو، ونيويورك، وسان فرانسيسكو، وأوكلاند، إثر تبرئة المحكمة جورج تسيميرمان، أحد أفراد مجموعة من المتطوعين المدنيين لحفظ النظام في أحد أحياء سانفورد بفلوريدا، من جريمة قتل الشاب الأمريكي من أصل إفريقي تريفون مارتين.
المتطوع تسيميرمان، بعد أن اتصل بالشرطة، لم ينتظر وصولها، وبادر إلى اعتقال الفتى البالغ 17 عاما. وخلال محاولة الاعتقال، أطلق النار عليه فأرداه قتيلا، وذلك “دفاعا عن النفس”، حسب إفاداته.
عمّت مسيرات الاحتجاج التي حظيت بمشاركة بيضاء واسعة عددا من المدن، واتسمت في معظمها بالسلمية، باستثناء أعمال تخريب وسطو وشغب وإضرام للنار في أوكلاند.
شرطي دافع عن نفسه
في أغسطس 2014 وفي مدينة فيرغيوسون بولاية ميسوري، قتل الشرطي الأبيض دارين ويلسون الشاب الأسمر مايكل براون البالغ 18 عاما “دفاعا عن النفس”، رغم إفادات الشهود بأن الشرطي أطلق النار على الشاب ويداه مرفوعتان للأعلى وخاليتان من أي سلاح أو أداة.
مقتل براون أثار غضبا شعبيا كبيرا في المدينة، التي استمرت الاحتجاجات والمواجهات فيها بضعة أشهر بين المتظاهرين الذين أمعنوا في عنفهم وأعمال التخريب التي مارسوها، والشرطة التي استخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
الاضطرابات احتدمت في نوفمبر، بعد تبرئة ويلسون لـ”ضعف الأدلة”، كما جاء في حكم القضاء، الذي أطلق يد الحرس الوطني في المدينة ليخمد الاحتجاج. موجة العنف آن ذاك امتدت إلى شيكاغو وفلادلفيا وأطلانطا ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وطالت خمسين ولاية.
اعتقال فظ
في أبريل 2015، قتل الشاب الأسمر فريدي غري البالغ 18 عاما خلال محاولة اعتقاله في بالتيمور بولاية ميرلاند متأثرا بكسر عنقه، حيث انهال عليه ستة من رجال الشرطة لمنعه من الحركة والفرار. المحكمة برّأت الشرطة، وأثارت بحكمها هذا موجة عارمة من الاضطرابات في المدينة تخللتها مواجهات عنيفة أحرق خلالها المخربون 150 سيارة وهاجموا المحال والأماكن العامة والخاصة، فيما أصيب 15 من رجال الأمن والشرطة. الاضطرابات أخمدها الحرس الوطني الذي استدعي إلى المدينة لإعادة الحياة الطبيعية إليها.
لم يميّز أوراق السيارة من المسدس
في الـ5 من يوليو 2016 اندلعت الاحتجاجات في مدينة باتون-روج في ولاية لويزيانا إثر مقتل غيلتون ستيرلينغ البالغ 37 عاما، حيث جثم عليه شرطي أبيض بكل ثقله وأطلق عليه النار بضع مرات.
وفي الـ7 من نفس الشهر، وفي مدينة فولكن هايتس بولاية مينيسوتا، أطلق شرطي أبيض النار على مواطنه من أصول إفريقية فيلاندو كاستيليه الذي طلب منه إظهار أوراقه. وفيما الضحية مدّ يده ليبرز الأوراق، سارع الشرطي إلى إطلاق النار عليه ليقتله على مرأى من زوجته وطفله اللذين كانا في السيارة، ظنا منه بأنه أراد “إشهار مسدسه” عوضا عن الأوراق.
وخلال المواجهات التي أعقبت الحادثين، أصيب في مدينة دالاس في ولاية تكساس 11 شرطيا، توفي خمسة منهم متأثرين بجروحهم.
النيابة العامة الأمريكية، طوت القضيتين في مارس 2018، وأعلنت أن إجراءات رجال الشرطة في الحادثين، كانت “عقلانية ومبررة”.
مطلوب حيا أو ميتا
أثار حادث مقتل المطلوب من أصول إفريقية سيلفيل كي سميث البالغ 23 عاما على أيدي الشرطة غضب الشارع في مدينة ميلوكي بولاية فيسكونسين في أغسطس 2016، حيث أحرق المحتجون بنكا، ومعرضا للسيارات ومحطة وقود في المدينة، التي فرض فيها حظر التجول لإخماد الاحتجاج.
الشرطي المتهم بقتل المطلوب سميث أقيل من عمله، بعد إدانته بالقتل غير المتعمد، إلا أن المحكمة عادت عن قرارها، وبرّأته صيف 2017.
الفصل العنصري
أعلن في الولايات المتحدة سنة 1865 عن تحرير العبيد، إلا أن ظاهرة جديدة برزت في المجتمع الأمريكي في أعقاب ذلك تمثلت في نظام الفصل العنصري، الذي أسس له البيض بعزل أنفسهم وأماكنهم عن مواطنيهم من أصول إفريقية.
كما تجلّت مظاهر الفصل في ظهور قاعات انتظار ومقاهي ومراحيض عامة خاصة بالبيض وأخرى بالسود، كما افتتحت جامعات ومدارس مفصولة، وخصصت في حافلات ووسائل النقل أماكن خاصة للّونين.
وفي الثلاثينات من القرن الماضي، حظرت الحكومة الأمريكية على المواطنين من أصول إفريقية السكن في مناطق وأحياء معينة في البلاد، سميت بمناطق الخط الأحمر، الأمر الذي مهد لظهور أحياء ومناطق للسود وأخرى للبيض، واستمر هذا الفصل حتى سنة 1960.
المصدر: RT