اثنان وعشرون عاما على الرحيل لم تزد آثار إبداع الشاعر نزار قباني التي تركها على جبين الشعر العربي إلا نصاعة فقلم الشاعر الدمشقي كان ومازال هوية قومية لا تقف بوجهها حدود ولا حروب وكانت قصائده عابرة للأوطان والقلوب والأزمان.
الثلاثون من نيسان ذكرى حزينة لكل عشاق هذا الشاعر الذي عاد جثمانه إلى مدينته دمشق محمولا على الأكتاف ليحتضنه ترابها ولكن ارثه الشعري الذي أشعل في نفوس أبناء وطنه الحب والشوق والوطنية والاعتزاز بشاعر الياسمين وبإبداعه الراسخ ظل حيا يعيش بيننا.
وفي ذكرى الرحيل نتوقف عند محبوبته الأولى وعشقه الأبدي دمشق التي تملكه غرامها وشغف بها فحملها في شرايينه وكان دمه ينطق بهيامه ومن أجمل ما نظم في عشق الفيحاء قصيدة “ترصيع بالذهب على سيف دمشقي” التي وصف فيها شوقه المزمن لهذه المدينة حيث قال:
“هل مرايا دمشق تعرف وجهي
.. من جديد أم غيرتني السنين
يا زماناً في الصالحية سمحاً..
أين مني الغوى وأين الفتون
يا سريري ويا شراشف أمي..
يا عصافير يا شذا يا غصون
يا زواريب حارتي خبئيني..
بين جفنيك فالزمان ضنين”.
وتاتي القصيدة الدمشقية لتكون ملحمة قائمة بحد ذاتها واعترافا بعشق عميق وهيام لا ينتهي والتي القاها على مدرج مكتبة الاسد الوطنية سنة 1988 وسط جمهور غصت به ساحة الامويين كلها حيث قال:
“هذي دمشق وهذي الكأس والراح ..إني أحب وبعض الحب ذباح أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي ..لسال منه عناقيد وتفاح”.
وفي قصيدة الشام التي كتبها نزار سنة 1986 يمزج هيامه الأزلي بدمشق وبين ما طالها من أشقائها العرب فكأن تاريخ الأمس أعاد نفسه اليوم وكأن شاعرنا استشرف المستقبل فقال:
“فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا..فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا..دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي..أشكو العروبة أم أشكو لك العربا”.
ولأن دمشق عاشت في وجدان نزار حيثما حل كتب في قصيدته التي القاها بتونس سنة 1980 تحت عنوان “أنا يا صديقة متعب بعروبتي” ابياتا تفيض بغزله الدمشقي وبافتخاره بهذه المدينة:
“قمر دمشقي يسافر في دمي..
وبلابل وسنابل وقباب
الفل يبدأ من دمشق بياضه..
وبعطرها تتطيب الأطياب
والحب يبدأ من دمشق .. فأهلنا
عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا”.
رحل نزار قباني وبقي حيا في شعره وبقيت دمشق صامدة بوجه كل الحروب باقية بقلوب من أحبوها وبتاريخ وماض عريق عصي على الكسر.
سانا