“يا للعار ماذا قلت!”، “أنت تكتبين أخباراً زائفة، ومؤسستك كلها تفبرك الأخبار”…
هذا الرد العنيف جاء على لسان الرئيس دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض، يوم الاثنين الماضي، عندما أصرت باولا ريد مراسلة شبكة سي بي إس على طرح سؤال حول ما قامت به الإدارة الأمريكية، خلال شهر فبراير، للتعامل مع الوباء.
لقد دأب الرئيس الأمريكي، خلال الأيام الأخيرة، على الرد بعنف شديد على الصحفيين سواء كانوا من نيويورك تايمز أو سي إن إن أو إن بي سي أو صوت أمريكا أو فوكس نيوز، فلماذا كل هذا الغضب على وسائل الإعلام؟
ولنأخذ نيويورك تايمز كمثال، لقد نشرت الصحيفة قبل أيام مقالاً تحت عنوان ((الجينوم يؤكد أن معظم حالات الإصابة بكوفيد19 في نيويورك تأتي من أوروبا))، حيث يرى أن الفيروس المتفشي في نيويورك جاء من المسافرين الأوروبيين بشكل أساسي، وكان بإمكان الولايات المتحدة اكتشافه مبكراً لو طبقت إجراءات الاختبار بشكل إيجابي.
وقوبل المقال بانتقادات شديدة من الرئيس الأمريكي، الذي قال في تغريدة له على تويتر، إن صحيفة نيويورك تايمز الكاذبة تتعقب الآن أصل فيروس كوفيد19 إلى أوروبا، بدلاً من الصين، وهذه هي المرة الأولى التي يقول فيها أحد ذلك!، أريد أن أعرف من أين حصلت نيويورك تايمز الفاشلة على هذا الخبر؟..
إلا أننا عند قراءة المقال سنكتشف أن الصحيفة استندت إلى وجهات نظر علمية لبضعة عشر خبيراً متخصصاً، بمن فيهم خبير علم الوراثة في معهد الصيدلة بجبل سيناء في نيويورك هارم فان باكيل، وخبيرة علم الفيروسات في جامعة نيويورك أدريانا هيغي.
وقبل يومين من ذلك، اتهم البيت الأبيض إذاعة صوت أمريكا بأنها تعمل لصالح الصين بينما تستغل ضرائب المواطنين الأمريكيين، ومن المعروف أن إذاعة صوت أمريكا طالما غطت الأخبار الصينية من وجهة نظر سلبية،غير أنها وصفت في يوم ٨ إبريل نجاح ووهان في إعادة فتح منافذها بالخطوة الناجحة النموذجية، كما غطت العروض الضوئية المقامة في ذلك اليوم، لتتعرض لاتهامات لاذعة من البيت الأبيض، الأمر الذي جسد ازدواجية المعايير لدى الحكومة الأميركية.
ولاحظ الجميع أن ما يغضب البيت الأبيض ليس الأخبار الحقيقية، بل مدى اتفاقها مع سياساته، حيث يعتبر توجيه انتقادات إلى الصين من وجهة نظر الحكومة الأمريكية، تغطية صحيحة، بينما يعد تقدير جهودها في مكافحة كوفيد ١٩ حملة إعلامية لصالحها، وهذا المنطق يكشف أن ما يسمى “حرية الصحافة” هو في الواقع أداة سياسية في نظر الإدارة الأمريكية.
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن الحكومة الأمريكية الحالية أعطت تعريفًا جديدًا “للأخبار المزيفة”، إنها أي تقارير دقيقة للغاية، لكنها تضر بسمعة الرئيس الأمريكي، وقد لوحظ أنه منذ تفشي الوباء ، فإن “الأخبار المزيفة” من قبل البيت الأبيض لوسائل الإعلام الأمريكية كانت الأكثر شيوعًا.
وردود البيت الأبيض على شكوك وسائل الإعلام، إنما تكشف في الواقع عن الذعر ومحاولة إخفاء الأخطاء، والغضب عليها بعد أن فضحت مخططات الحكومة وانتقدتها بشدة.
وكما أشار المحللون، فقد بددت بعض التقارير الإعلامية الكذبة التي تقول إن “الفيروس نشأ في الصين”، وأفشلت جهود الإدارة الأمريكية للتخلص من المسؤولية عن سوء إدارتها للأزمة، وهكذا كان من الطبيعي صب الغضب على وسائل الإعلام وانتقادها بعنف.
لقد عرض الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين (13 إبريل)، مقطع فيديو أوضح فيه التدابير الحاسمة التي اتخذها لمكافحة الوباء خلال الشهور الماضية، واعتُبر الفيديو “دعاية انتخابية”، وتعرض لانتقادات شديدة من وسائل الإعلام والمواطنين، حيث قال مستخدمو الإنترنت، إن أكثر من 20 ألفاً ماتوا بسبب الفيروس في الولايات المتحدة، لكن الرئيس يستخدم أموال دافعي الضرائب لإضاعة الوقت في تحسين صورته، وهذا شيء بائس جداً.
إن عدد الإصابات المؤكدة بالالتهاب الرئوي الناتج عن فيروس كورونا الجديد، حتى يوم الأربعاء (15 إبريل)، في الولايات المتحدة، وصل إلى 600 ألف، وبلغ عدد المتوفين 26003 أشخاص، وأصبح وضع مكافحة الوباء أكثر حرجاً.
ومن أجل هذا، تنصح بعض الشخصيات الأمريكية العاقلة بالتركيز على الوقاية من الوباء والسيطرة عليه بدلاً من المماحكة وتحميل الآخرين المسؤولية ومهاجمة وسائل الإعلام، لأن الوقت والأرواح لن يرجعا أبداً.
إذاعة الصين الدولية