الهيئات الدوليه والضمير العام

الهيئات الدوليه والضمير العام

الأمم المتحدة (الولايات المتحدة) هي قانون العالم منذ الأمس البعيد القريب.. اوامرها، سياستها وصلاحياتها سادت الكون، لكنها غلفت الشرق الأوسط بالذل والولاء والتغاضي الأعمى. جعلت من دول كثيرة سجنا كبيرا وأما الشعوب فكلهم سجناء. دائمين تحت مسميات براقة(حقوق الانسان، حرية، عدالة،… حتى بلغنا اليوم أبشع درجات التهدم التي انستنا أبسط حقوقناواكاد اقول: انسانيتنا بالمطلق. حتى أن الرغبةبإشاعة الرعب وإيقاع الألم الدائم بات يُنسي إنسان هذا الشرق المرهق فوضةً، سبب عذابه وتعبه الذي أمسى للأسف غاية محققة لدى أعداء أمة بكاملها، يتوارون تحت مسميات خلبية مازالت قادرة على إغراء العالم باسمها…… في عام ١٩٥٤ كان الحبيب بو رقيبة رئيسا للحزب الدستوري في تونس، وفي ذلك العام وفي أحد اجتماعات المنظمة حينها كان للحضور العربي مساحة لابأس بها…. ذهب الحبيب بو رقيبةإلى نيويورك ليعرض قضية بلاده هناك، لكنه مُنع من الدخول كونه لايحمل صفة رسمية وبينما كان الجدال محتدما وصل الوفد العراقي وكان برئاسة وزير الخارجية انذاك الدكتور فاضل الجمالي… لقد ساءه ما رأى، هل تعلمون ماذا فعل؟ لقد سارع إلى وضع شارة كتب عليها وفد العراق ووضعها على صدر بورقيبه وقال: سوف تدخل إلى مبنى الأمم المتحدة بصفتك عضوا في الوفد العراقي ولامن أحد يستطيع منعك…. ودخل بورقيبةوبالفعل وأثناء الجلسة وبعد أن أنهى الدكتور فاضل الجمالي مداخلته، قال: أحيل الميكرفون إلى أخي الحبيب بورقيبة ليتحدث باسم دولة تونس الحرة ، ساد القاعة صمتا مطبقا، أما الوفد الفرنسي فقد غادر القاعة وبسرعة، تحدث بورقيبة وسط تصفيق الجميع، وبعد انتهاء الكلمة وجه عبارة إلى الدكتور فاضل الجمالي قائلا: أنا وشعبي في تونس لن ننسى موقفك. وبعد سنتين من الحادثة أي عام ١٩٥٦ نالت تونس استقلالها، أما في العراق فقد حصل اجتياح قصر الرحاب ولاقت الأسرة الملكية في العراق مصرعها عام ١٩٥٨. أما الدكتور فاضل الجمالي فكان من اهم رموز النظام الملكي انذاك، لذا صدر قرارا بإعدامه… لكن بورقيبةالرئيس التونسي_تدخل وناشد الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم أن يعفو عنه وأن يسمح له بمغادرة العراق، وبالفعل كان له ماأراد، وقد استقبله بورقيبة احسن استقبال وقدم له كل مغريات العيش الآمن، لكن الجمالي رفض وأصرّ أن يعمل كأستاذ جامعي فكان له ما أراد.
وفي عام ١٩٩٥ وبمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس الأمم المتحدة، اُرسِلت دعوة للجمالي بصفته واحدا من اهم خمسة اشخاص كتبوا(دستور الأمم المتحدة) فكان رد الجمالي إن الأمم المتحدة تحاصر بلدي وتقتل أطفالها وتصنع أدوات الموت. لذا لن أحضر…. هذا الموقف الأخلاقي الذي نفتقده اليوم.
إلى أي مدى نحن اليوم بحاجة إلى اي شكل من الروابط الأنسانية بيننا نحن أخوة الدم والتراب والعرض، نتعرض للقتل بالجملة؛ ونتغاضى عما يفعله الآخرون بنا، بتنا أمة تُدفَنُ وهي على قيد الحياة وبمختلف الوسائل بل وعلى مرأى عيون الهيئات الدولية بصفتها التعبير الأسمى عن الضمير العام والتي من واجبها اصلا حماية المظلومين، لكن الحقيقة أن الأهداف الخفية باتت مُعلنة وقد توسعت دائرة الهزيمة، فما الحل؟ وكيف لنا أن ننهص؟ وهل بقي وقت حقا لنفعل شيئا؟

فخري هاشم السيد رجب