ترامب أم ساندرز – من الذي سيختاره بوتين لرئاسة أمريكا؟

ترامب أم ساندرز - من الذي سيختاره بوتين لرئاسة أمريكا؟
ترامب أم ساندرز - من الذي سيختاره بوتين لرئاسة أمريكا؟

أعلنت صحيفة “واشنطن بوست” عن تدخل “مرتقب” للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، لصالح المرشح، بيرني ساندرز.

ردا على ذلك، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في حسابه على “تويتر”، عن رغبة داخل نخب الحزب الديمقراطي الأمريكي، بعدم السماح لساندرز بالوصول إلى الترشح لانتخابات الرئاسة عن الحزب.

فما الذي يحدث، ولم “تغيرت دفة عواطف” بوتين هذه المرة؟

إن كل الهستيريا المحيطة بـ “التدخل الروسي” في الانتخابات الأمريكية، في واقع الأمر، لها هدفان يستندان إلى سبب واحد كبير.

تتحلل الإمبراطوريات العملاقة عادة من داخلها، قبل أن تقع فريسة لضربات الأعداء من الخارج. والولايات المتحدة الأمريكية دخلت في حقبة أزمات منهجية، حيث لم تعد الأشياء تعمل بنفس الكفاءة التي كانت تعمل بها من قبل، وهو ما ينطبق على النظام السياسي للولايات المتحدة. فحتى وقت قريب، كان هناك ما يشبه الديمقراطية، التي تتحكم فيها “الأموال الكبيرة” من خلال منظمتين تلعبان دور اللوبي لها، هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، تختلف البرامج والسياسات فيما بينها اختلافات ميكروسكوبية دقيقة، وفقا للمعايير العالمية، لكنها تخدم في نهاية المطاف نفس السادة.

من جانبه كان المجتمع الأمريكي يتمتع بالازدهار والرفاهية، مقابل عدم تدخله في السياسة، بينما يحصل كل أربع سنوات على فرصة لتنفيس البخار، والاختيار بين اليد اليمنى أو اليسرى لـ “الأموال الكبيرة”، وإذا لم تتحقق الآمال، يمكن للناخب أن يلوم نفسه على الاختيار الخطأ، ويأمل في الانتخابات المقبلة. وهنا يكمن سبب استقرار النموذج الأمريكي، الذي يعضده ويعززه غسيل المخ الجماعي باستخدام الصحافة والتلفزيون وهوليوود التي تخضع جميعها للسيطرة.

الآن، تغير كل شيء، فالاقتصاد الأمريكي يعاني من أزمة، وبدأ “الازدهار” المبني على الديون المتفاقمة، ومعدل أعمار المواطنين الأمريكيين في الانخفاض للمرة الأولى، وبدأ السخط الشعبي يتصاعد تدريجيا بين النخب، ليصل في نهاية الأمر إلى “تمرد صامت” في الانتخابات.

تمرد في البداية المحافظون البيض، الذين يرون أنهم يفقدون الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما كانوا يعرفونها في الماضي، القوة العظمى الأولى في العالم صاحبة الاقتصاد الناجح، والدولة الرأسمالية التي تضم 80-90% من السكان البيض. يريد هؤلاء العودة إلى الماضي، بقيادة ترامب، الذي يخوض صراعه الشرس ضد “الحرس القديم” المهترئ، تحت شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددا”.

اليوم يصل تمرد الشعب إلى النخب القديمة داخل الحزب الديمقراطي، الذي جاء دوره ليعاني من ثورة داخلية في أروقته! فالمرشح بيرني ساندرز، على العكس، هو مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية. فبعد 10 سنوات من الآن، سوف يفقد السكان البيض في الولايات المتحدة أغلبيتهم، بينما تتعاطف الأجيال الجديدة من الأمريكيين، ومعظمهم من غير البيض، وأكثر فقرا من الأجيال السابقة، بدرجة كبيرة مع الأفكار الاشتراكية. واليساري، بيرني ساندرز، هو أكثر من يعبر عن هذه الأفكار والتطلعات.

على أية حال، فإن النخب القديمة في كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يفقدون السلطة. بل إن النظام شبيه الديمقراطي برمته يعاني من الانهيار، حيث تخلق الأزمة انقساما مجتمعيا، ويظهر بدلا من أوهام الاختيار، مرشحون يختلفون حقا في رؤاهم عن بعضهم البعض، بل ويمتلكون برامج تتناقض مع برامج منافسيهم.

إنها المرة الأولى منذ عقود، وربما منذ مئات السنين، التي تواجه فيها الولايات المتحدة الأمريكية صراعا سياسيا حقيقيا بين منصات سياسية مختلفة. وكما حدث مع دونالد ترامب، تستخدم النخب تهمة بوتين ضد بيرني ساندرز، الذي يسعى بالفعل لإحداث التغيير.

السبب الثاني لـ “التدخل الروسي” هو أن النخب الأمريكية التي يتهددها فقدان السلطة، أدركت فجأة، أنه لم يعد أمامها أي شيء للدفاع عن تلك السلطة، بعد أن فشلت الأسلحة القديمة المتعلقة بالسيطرة التامة على وسائل الإعلام، في ظل عالم تسود فيه وسائل التواصل الاجتماعي.

لهذا هرعت النخب لإطفاء هذا الحريق، ومحاولة السيطرة على “الفيسبوك” و”تويتر” وغيرها. وبذريعة مكافحة “التدخل الروسي”، استدعت هذه النخب زوكربيرغ لجلسات الاستماع، التي شرح خلالها الإجراءات التي يتخذها للسيطرة على المعلومات. إن النخب الأمريكية لن تفرّط في السيطرة على عقول “الفلاحين”، ولن تتركها تفلت من بين أيديها. وسوف تقدم مواقع “فيسبوك” و”تويتر” فقط المعلومات “الصحيحة”.

مثال بسيط على ذلك ما حدث مؤخرا من حظر صفحة “ويكيليكس” على موقع “تويتر” عشية جلسات الاستماع حول تسليم جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ليس “التدخل الروسي” في الانتخابات الأمريكية سوى ذريعة، وأداة للسيطرة، وروسيا فزاعة مناسبة للغاية داخل المجتمع الأمريكي، الذي نشأت أجياله على الدعاية المناهضة لروسيا.

على الرغم من ذلك، فنحن نرى في مثال دونالد ترامب، أن الدعاية لا تعمل جيدا. حيث أن مناصري ترامب مستعدون للإيمان بـ “التدخل الروسي” في الانتخابات، لكنهم لا يرفضون دعم مرشحهم. وسوف يكون الوضع مشابها في حالة بيرني ساندرز.

في كل الأحوال، تغرق أمريكا في أزمتها، ويجري ذلك كله في إطار تختلط فيه المأساة بالملهاة. مأساة الانهيار على خلفية ملهاة “التدخل الروسي” العبثية بالكامل. إن انهيار الإمبراطورية لا يحدث بين يوم وليلة، فهو عادة ما يكون مشهدا جليلا، لذلك دعونا نستمتع بانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، التي يعدون بأن يكون تقييمها 5 نجوم.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة