أن أجد مقعداً شاغراً في الحافلة الخضراء التي أستقلها صباحاً هو حظ مترف. قبل ثلاثة أيام كان الحظ حليفي فجلست بكامل ترفي بقرب النافذة محدقة من خلالها إلى ما هو أبعد من السماء،أراجع في ذهني عمليات دقيقة أو للأصح حروباً تخوضها خلايا جسمي كي أكون ما أكون .
وجدت نفسي أفكر باللحظة الأولى التي جذبت ذرة لأخرى وأي قوة هي تلك، لكنني تعبت من التفكير لأني لا أفلح في تجميع قطع اللغز ذاك و أتنبه للمرأة الجالسة أمامي ،حركاتها دقيقة سريعة مضطربة و خوف مفرط على الكائن البشري الصغير المستلقي بسلام بين ذراعيها الحنونتين ، ثم ألحظ شاشاً أبيض غير محتفظ بصفته مغلفاً صدرها ممتداً لبداية عنقها. استدرت مرة أخرى نحو النافذة لكن هذه المرة كان هذا السؤال يدور في ذهني .. كيف لإنسان لا يبدو طبيعياً أن ينجب ، أي دافع هو ذاك و لمَاذا !!!؟
و لأن الطريق طويلٌ و الحافلة فائضةٌ بالأجساد البشرية المتراكمة فلم أكن أبصر بوضوح سوى المرأة و طفلها.
الكائن الصغير ابتسم لي ، ربما ليس لي ، ربما للغيب أو الغريب ، رددت له ابتسامته بواحدة أكثر اتساعاً باعثة بتردداتها تساؤلاتي عن الشاش الأبيض و الخوف المفرط و النقص و غياب الجمال الذي يخص الهيكل المحتضن له. بعد محطتين ترجلت الأم و طفلها ،أدرت له وجهي مودعة عينيه الصغيرتين فابتسم هو الأخر لي.
ما استطعت أن أفهمه من ترددات الزمان و الحدث وما شاهدته عيني أنها أمه و هذا يكفي .
كانت فكان ، غابت فغاب ،إنها القوة ذاتها التي كنت أفكر بها في بداية الطريق.
* كاتبة سورية