شهد العام 2011 بداية انطلاق شرارة الأزمة السورية وقبل تفاقم الأوضاع الأمنية ذات مساء رن هاتف الرئيس بشار الأسد فإذا بالمتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مدّعياً باسم الأخوة الاستفسار عن مجريات الأمور عارضاً المساعدة في تهدئة الأوضاع في سورية.
رجب طيب أردوغان خاطب الرئيس الأسد بالأخ بشار وفي نهاية المكالمة تم الاتفاق على إرسال مهندس السياسة التركية صاحب نظرية صفر مشاكل وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى دمشق بغرض التشاور بالمقترحات.
وصل أوغلو إلى دمشق وتوجه إلى مكتب الرئيس بشار الأسد الذي استقبله بنية الاستماع إلى مقترحات أردوغان وأوغلو التي ستسهم في تطويق التوتر الحاصل.
أوغلو استفاض بشرح المقترحات الأردوغانية متوجهاً للرئيس الأسد بالقول: يجب عليكم عدم استعمال العنف، يجب عليكم سحب قوات الأمن من الشوارع، يجب ويجب.
الرئيس بشار الأسد وبتهذيبه المعتاد كان منصتاً بهدوء لكن وفي لحظة ما تعدى فيها داوود أوغلو أصول المخاطبة مع الرؤساء حينها قاطعه الرئيس الأسد بلباقته المعهودة متوجهاً له بالقول: استقبلتك لأستمع إلى مقترحات وليس لإملاءات وإن مصلحة سورية العليا هي مهمتي ويبدو نسيت أنك تخاطب رئيس الجمهورية العربية السورية وعلى الفور أنهى الرئيس الأسد الاجتماع.
لكن الكذب والتضليل المتأصل برأس الدولة التركية بلغ حد تزوير وقائع ما حصل باجتماع دمشق عبر نشر تفاصيل ملفقة ومغايرة للحقيقة تماماً وذلك في تقرير أعدته صحيفة «yenicaggazetesi» التركية وهي صحيفة تعمل لصالح رأس النظام التركي أردوغان.
وحسب الرواية التركية الكاذبة ادعى فيها أحمد داوود أوغلو أن الرئيس الأسد رفض المقترحات التركية وطلب أن تُعطى له مهلة لمدة أربعة أشهر حتى يتمكن من احتواء الاضطرابات في سورية والسيطرة عليها ويوصل البلاد إلى الهدوء والاستقرار ومن ثم يقوم بتنفيذ الإصلاحات السياسية والديمقراطية التي تأخذها تركيا بعين الاعتبار. ويكمل داوود أوغلو روايته الكاذبة مدّعياً بأنه وفي تلك اللحظة لم يستطع السيطرة على غضبه وضرب بقبضته على الطاولة صارخاً: «يجب عليك أن تقدم استقالتك»، يتابع أوغلو روايته الملفقة للصحيفة التركية بأن الرئيس الأسد شعر بالصدمة جراء الخطوة التي قام بها داوود أوغلو، وبعد دقائق من الصمت قال الرئيس الأسد: «لن أستقيل أبداً وإن الاجتماع قد انتهى».
الغرض من سرد الرواية التركية هو إظهار الوغول التركي بالكذب والإفتئات الذي يعتمده أردوغان وأركان نظامه منذ ما قبل اندلاع الأحداث في سورية وأيضاً لنبين أن أردوغان اعتمد سياسة الكذب والتضليل في شتى المجالات ظناً منه أنه سيحقق حلمه بإعادة أمجاد السلطنة العثمانية.
ولو عدنا إلى كتاب المؤامرة على سورية للكاتب الفرنسي جورج مالبرونو، الذي وثق مراحل التحضير التركي الأردوغاني لإسقاط سورية بعدما قامت تركيا بنصب عشرات آلاف من الخيم البيضاء في المنطقة الحدودية مع سورية وقبل اندلاع الأحداث بأربعة أشهر أي في أواخر العام 2010 وحين توجه الكاتب الفرنسي مالبرونو للمسؤول الأمني التركي للاستفسار عن الغرض من نصب الخيم البيضاء في تلك المنطقة الحدودية فكان جوابه إنها أوامر القيادة التركية لاستقبال النازحين السوريين.
صحيفة «حرييت» التركية كان نصيبها، الأمر بوقف إصدارها ثم بحبس الصحفي الذي كشف زيف ادعاءات أردوغان بعد توثيق بالصوت والصورة دور المخابرات التركية بعملية استقبال وتجميع الإرهابيين في تركيا وتزويدهم بالأسلحة والعتاد العسكري ثم إدخالهم إلى سورية عبر الحدود التركية، وهذا ما يبين لنا بالدليل القاطع تبني أردوغان شخصياً تشكيل رأس حربة في تنفيذ مشروع المؤامرة الكونية على سورية.
مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري كشف الأكاذيب التركية ودحضها بالحقائق السورية حيث أجاد في شرح ازدواجية المعايير في الأمم المتحدة وكيف أن ادعاءات أردوغان حماية المدنيين في إدلب ما هي إلا أكاذيب كشفتها حقائق سورية موثقة بما يزيد عن 900 رسالة دبلوماسية سورية سلمت للأمم المتحدة ولم يؤخذ بها ومما قاله الجعفري في الأمم المتحدة:
شكراً لمجلسكم الموقر الذي هب للاجتماع دفاعاً عن تنظيمات إرهابية سبق لمجلسكم أن أدرجها على لائحة الإرهاب العالمي.
شكراً لمجلسكم الذي اجتمع ليوقف تقدم جيش بلادي وتحرير تراب وطني من احتلال تركي.
شكراً لمجلسكم الذي اجتمع بناء لادعاءات أردوغانية حماية المدنيين في مدينة إدلب فيما لم نر مجلسكم سبق له واجتمع من أجل اتخاذ قرار يمنع التنظيمات الإرهابية من قصف مدينة حلب وقتل المدنيين الأبرياء فيها.
شكراً لمجلسكم الذي اجتمع بناء على ادعاءات أردوغانية كاذبة في حين لم نلحظ من مجلسكم أي اهتمام باعتداءات أردوغان على السيادة السورية حين قال بشكل سافر إن النظام في سورية نظام ساقط وإنه سيصلي في الجامع الأموي أليس هذا بالاعتداء السافر؟ ثم ماذا لو ادعى أي من الرؤساء نيته إسقاط نظام أي من بلدان الحضور وقال إنه سيصلي في أي من دور العبادة في بلادكم؟ أليس هذا اعتداء سافراً ويحتاج إلى اجتماع مجلسكم الموقر؟!
إن مناظرات بعض أركان نظام أردوغان عبر الفضائيات تدعي حرص تركيا على المدنيين وخوفاً من تدفق النازحين إلى تركيا ما هي إلا استكمال لعناصر الوغول في عملية التضليل والأكاذيب التركية لأن الحريص على المدنيين لا يرسل أرتالاً مؤللة من جيشه بهدف منع الجيش العربي السوري من تحرير تراب الوطن السوري من إرهابيي أردوغان وجيشه المحتل.
إن أردوغان بات مكشوفاً وهو يصارع الزمن في تحقيق أحلامه العثمانية وهو لا يحظى بثقة أي من رؤساء الدول التي سبق لها وأبرمت اتفاقات مع تركيا في ظل حكمه.
إن التنصل من الوعود والاتفاقات هي سمة تواءمت مع شخصية أردوغان تماماً كما فعل مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني بعد تنصله من مقررات اتفاق قمة سوتشي وتفلت من اتفاق أستانا الذي نص على ضرورة قيام أردوغان بتفكيك بؤر الإرهابيين الذين أدخلهم إلى سورية وزودهم بالصواريخ والطائرات المسيرة، تمهيداً لعودة مدينة إدلب والشمال إلى حضن الدولة السورية.
أما زيارته إلى أوكرانيا وتصريحاته الدالة على عدم الاعتراف بضم القرم إلى روسيا لا تحتاج إلى تفسير في زيارة بمندرجاتها موجهة إلى روسيا وإلى بوتين شخصياً تكشف أكاذيب أردوغان مع روسيا.
أكاذيب أردوغان في سورية أضحت مكشوفة وأوراقه باتت محروقة ولا أمل له بتحقيق أي من أهدافه في سورية طالما استمر تقدم الجيش العربي السوري.
انتقل أردوغان بحلمه من سورية إلى ليبيا التي أبرمت حكومتها برئاسة فايز السراج اتفاقاً تركياً ليبياً حدد بموجبه المنطقة الاقتصادية الخالصة الواقعة على سواحل البلدين والتي يبلغ مداها في كل منطقة 200 ميل بحري من سواحل كل دولة.
واستناداً لهذا الترسيم وقع قسم من المناطق الاقتصادية الخالصة في كل من مصر وقبرص واليونان وسورية ولبنان والكيان الصهيوني في داخل المناطق الاقتصادية لليبيا وتركيا.
ينص الاتفاق بأن للدولة المعنية حق باستثمار الموارد الجوفية في أعماق البحار داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة بها وبذلك لا يمكن للدول المذكورة نقل خطوط الغاز أو النفط من شرق المتوسط إلى جنوب أوروبا إلا بموافقة تركيا وليبيا باعتبار أنها سوف تمر في مناطقهم في خطوة توسعية للنفوذ الإخواني على امتداد سواحل الدول المطلة على البحر المتوسط.
الأكاذيب الأردوغانية بلغت مداها حين صرح أن تركيا أرسلت مستشارين إلى ليبيا فيما الحقائق كشفت وبالدليل القاطع أن ما يزيد عن 4000 ضابط وعسكري تركي مزودين بالعتاد والسلاح مضاف إليهم 5000 آلاف من عناصر التنظيمات الإرهابية العاملة في سورية وبأمر من أردوغان تم نقلهم إلى ليبيا لدعم حكومة السراج الإخوانية في مواجهة قوات المشير خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات والسعودية وفرنسا.
بات من الواضح أن أردوغان يريد تحويل ليبيا إلى مركز عمليات وقاعدة متقدمة للإرهاب المتأسلم هدفها الأول التمدد صوب مصر وباقي بلدان المغرب العربي، أما الهدف الثاني التمدد من ليبيا صوب دول أوروبية لاسيما فرنسا.
صدق الرئيس الأسد حين وصف أردوغان بأنه أجير صغير عند أسياده وأن ألاعيب وأكاذيب أردوغان ستكشفها حقائق انتصارات الجيش العربي السوري.