أصبح من الممكن أن يصدّق الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون يعترف بروسيا كدولة راعية للإرهاب.
لقد شاهدنا جميعا الأفلام الشهيرة التي أنتجتها شركة “مارفل” الأمريكية، جسدت فيه عالم خيالي يعيش فيه الرجل الخفاش “باتمان”، والرجل العنكبوت “سبايدرمان”، والرجل الحديدي “أيرون مان”، وغيرهم من سلسلة أبطال الكوميكس الخارقين. يبدو أن الكونغرس الأمريكي قد قرر هو الآخر إبداع عالم خيالي خاص به، يسكنه أشرار قادرون، على رأسهم بوتين، يسعون لتقويض الديمقراطية الأمريكية والآن يرعون الإرهاب.
ولكن إذا تحدثنا بجدية، فالأنباء الواردة كالتالي: وافقت لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي على مشروع قانون يلزم وزير الخارجية بتقرير ما إذا كانت روسيا دولة راعية الإرهاب أم لا، وذلك بعد الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك كمنظمات إرهابية.
أعتقد أن هناك أربعة أسباب أساسية لهذه الخطوة:
تعاني السينما الأمريكية من أزمة، وإذا كان الفيلم الأمريكي في السابق بحاجة لبطل واحد كي يحطم أرقام شباك التذاكر، فقد أصبح اليوم بحاجة لأكثر من بطل كي يحقق نجاحا، بل أصبح على شركات الإنتاج أن تحشد أكبر عدد من الأبطال في فيلم واحد لتحقق المكاسب من وراء الفيلم.
السبب الأول هو أن الأزمة التي تعاني منها أمريكا كدولة، هي نفس أزمتها كنموذج للحكم. فلم يعد الأمريكيون، ممن غسلت أدمغتهم لعقود من الزمان في فترة الحرب الباردة، مستعدين لدعم مؤسسات الإدارة القديمة، التي تضطر بالتالي إلى رفع درجة هيستيريا الدعاية، للحصول على أكبر قدر من الولاء من جانب الشعب. فبعد أن خرج الأمريكيون من مرحلة الحياة تحت هاجس الرعب من الاتحاد السوفيتي، أصبح من الضروري البحث عن تهديدات أخرى لإخافتهم، لتحقيق أي تأثير ممكن. وما نشاهده من حالة الهيستيريا الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية، إما بسبب “رشا غيت”، أو “أوكرانيا غيت” وغيرها ليست سوى صرخة رعب ما قبل الموت، بينما تفقد النخب الأمريكية السيطرة على ما يحدث في السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحاول استخدام كل ترسانة الأسلحة المتاحة في آن واحد.
السبب الثاني هو استنفاد الولايات المتحدة لكافة وسائل الضغط على روسيا، فقد فرضت فعليا كل العقوبات المحتملة، والنتيجة صفر. ولم يتبق لدى أمريكا سوى التصعيد العسكري، وهو أمر بعيد الاحتمال، أو أي شيء آخر من هذا القبيل كوسيلة للضغط. وهنا تظهر الحاجة لأمر أكبر من العقوبات التجارية، وأقل من الحرب، ولكن التعامل مع هذه الأسلحة بعناية، لذلك يقترح مشروع القانون منح سلطات تنفيذه للخارجية الأمريكية والدبلوماسيين.
السبب الثالث هو أنه إذا ما رفض ترامب التوقيع على هذا القانون، أو رفضت وزارة الخارجية الأمريكية الاعتراف بروسيا كدولة راعية للإرهاب، فسيتمكن الحزب الديمقراطي حينها مرة أخرى من اتهام ترامب بأنه يعمل لصالح بوتين، وربما يعيد الحزب إحياء “رشا غيت” من جديد، وبالتالي تكثيف المحاولات التي تستهدف عزل ترامب. وأما إذا ما قام ترامب بتوقيع القانون، فإنه سوف يؤدي إلى الإضرار بخطه السياسي.
السبب الرابع، والذي لا يقل أهمية، هو أن اجتماع “رباعية النورماندي” قد عقد لتوه في باريس، حيث التقى الرئيسان الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، والروسي، فلاديمير بوتين، للمرة الأولى، واتخذ الجانب الروسي عددا من الخطوات الرمزية تجاه أوكرانيا، كما أعلن زيلينسكي أيضا، ولو حتى مجرد إعلان، عن رغبته في تحقيق السلام في شرق أوكرانيا.
وفي هذه اللحظة تحديدا، يعترف مجلس الشيوخ الأمريكي بأن جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك هما منظمتان إرهابيتان، وهو ما يدمر بطبيعة الحال، أي إمكانية للوفاء باتفاقية مينسك، بما تتضمنه من أي حوار بين كييف والانفصاليين، وأي فرص لحل الأزمة في أوكرانيا.
باختصار، فإن موسكو مندهشة بعد أن تمكنت أخيرا من هزيمة الدولة الإسلامية في روسيا، والتي تأسست وتسلحت غير بعيد عن مشاركة المخابرات المركزية الأمريكية، وفجأة تصبح روسيا هي راعية الإرهاب؟؟؟!!!
رد الفعل الأول عاطفي.
لكن بعد ذلك تأتي دهشة، أما واقعيا، فقد استنفدت الولايات المتحدة الأمريكية كل قائمة المعقول من التدابير التي يمكن أن تتخذها دون رد فعل شديد، أو حتى عسكري من جانب موسكو. وسوف يرجع الأمريكيون بعد ذلك خطوة للخلف، دون حفظ لماء الوجه، وسوف يرغمون على الحوار مع “الإرهابي” بوتين…
لذلك، فمن الممكن بالطبع أن تتخلص أمريكا من روسيا في عالم الخيال والسينما بمساعدة باتمان والرجل الحديدي، أما في الواقع، فبإمكان الولايات المتحدة أن تمارس الهيستيريا كما تشاء، وتدعو روسيا ما شاءت من ألقاب، لكن كل ذلك لن يجلب أي أرباح لها، وسيتعين عليها بعد كل ذلك التفاوض مع بوتين.
وعلى الرغم من كل هذا، فموسكو لا تزال تأمل بأن تعود واشنطن عاجلا أو آجلا عن شطحاتها، وتعلن استعدادها لحوار عقلاني واقعي.
وكما يقول العامة في شوارع روسيا الآن: “لقد سئمنا الاستيلاء على باريس أو برلين!!..”
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة