كيف تستغل أمريكا ” الابادة الجماعية ” لمآرب سياسية؟

كيف تستغل أمريكا
كيف تستغل أمريكا " الابادة الجماعية " لمآرب سياسية؟

تحت العنوان أعلاه كتب، غليب إيفانوف، في “أرغومنتي إي فاكتي” حول استغلال الولايات المتحدة الأمريكية لملف الإبادة الجماعية للأرمن كوسيلة للضغط السياسي على تركيا.

جاء في المقال:

“في 12 ديسمبر الجاري، اعتمد مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع قرارا يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن في الدولة العثمانية. بعد 3 أيام من هذا التاريخ، رد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن بإمكان تركيا أن تعترف بالإبادة الجماعية للهنود الحمر.

وجاء في مقابلة للرئيس التركي مع قناة “آ هابر” التركية: “لقد فتحنا أكثر من مليون وثيقة حول أحداث عام 1915. هلموا إلينا، وادرسوا هذه الوثائق. إننا نتحدث عن وثائق حقيقية موثقة في متناول أيدينا. يتعين علينا نحن أيضا أن نتهمكم بقرار مماثل في برلماننا، وهو ما سنفعله، هل من الممكن الحديث عن أمريكا والصمت إزاء الهنود الحمر؟ إنها لصفحة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية”.

لم يتوقف أردوغان عند هذا الحد، بل ذهب للتهديد بغلق قاعدتي إنجرليك وكيورجيك أمام العسكريين الأمريكيين، وهو التهديد الذي سارع بعده البنتاغون إلى إصدار بيان خاص أكد فيه على أهمية تركيا بالنسبة لحلف الناتو. ومع ذلك، لا زال القادة الأمريكيون يدعون أردوغان إلى اتخاذ موقف “بناء” في قضية شراء منظومات الدفاع الصاروخية الروسية “إس-400″، فتلك المنظومات تحديدا هي ما تسبب في الخلاف الحالي بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تسمى الأحداث المأساوية التي وقعت في تركيا ما بين أعوام 1915-1923 بالإبادة الجماعية للأرمن، والتي راح ضحيتها وفقا لمصادر مختلفة من 200 ألف شخص (التقديرات التركية) إلى 2 مليون شخص، نتيجة للتطهير العرقي والترحيل الجماعي، وهي أحداث يعتبرها الاتحاد الأوروبي وعدد من بلدان أمريكا االلاتينية وكندا وأستراليا ولبنان والفاتيكان إبادة جماعية، وقد اعترفت روسيا باضطهاد الأرمن كإبادة جماعية عام 1995.

وكانت الولايات المتحدة قد ناقشت لسنوات عديدة ما إذا كان الأمر يستحق الاعتراف بتلك الأحداث الدرامية كإبادة جماعية، إلا أن الكونغرس اتخذ هذا القرار فقط على خلفية أخطر أزمة تحدث في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا مؤخرا.

حول هذا الأمر يعلق أحد الباحثين في الشرق الأوسط (واشنطن)، الخبير في نادي “فالداي”، غيولن يلديز: “لقد علقت الولايات المتحدة الأمريكية، على مدى الأشهر القليلة الماضية، توريد طائرات “إف-35” لتركيا، بسبب شراء منظومات الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، وفرضت عقوبات اقتصادية بسبب اعتقال قس أمريكي، وانتقدت أنقرة لعمليتها في سوريا.

ومن المثير للاهتمام، إنه إذا كان قرار الإبادة الجماعية قد مر دون إبطاء في مجلس النواب، فقد منعه مجلس الشيوخ من قبل في تصويت مماثل ثلاث مرات، استنادا لما يمكن أن يسببه قرار كهذا من ضرر للعلاقات مع تركيا. ومع ذلك فقد اتخذ القرار في هذه المرة، وهو ما دفع الخارجية التركية لوصفه بمثال مخز على تسييس التاريخ”.

لكن أرمينيا رحبت بالقرار، وعلق الزعيم الأرمني، نيكول باشيانيان، بتغريدة على موقع “تويتر”: “إنه تكريم لضحايا الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين البالغ عددهم 1.5 مليون شخص، وهي خطوة جريئة في طريق الدعاية لتجنب سياسات الإبادة الجماعية”.

إنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الكونغرس الأمريكي مفهوم الإبادة الجماعية كأداة للضغط على خصمه السياسي. فعلى سبيل المثال، وافق مجلس الشيوخ، أكتوبر الماضي، على قرار يعتبر “هولودومر” كإبادة جماعية للشعب الأوكراني، حيث وضعوا المسؤولية على جوزيف ستالين والحكومة السوفيتية. في روسيا، لا تعد “هولودومر” إبادة جماعية، ذلك أن المجاعة أعوام (1932-1933) غطت أجزاء أخرى من أراضي الاتحاد السوفيتي خلاف أوكرانيا، هي روسيا البيضاء وشمال القوقاز ومنطقة فولغا وسيبيريا الغربية وجنوب الأورال وكازاخستان.

تابع يلديز أن العلاقات الأمريكية التركية أمام تعقيدات جديدة، حيث أوضح أردوغان أنه “يأخذ قرار الكونغرس على محمل الجد، ومن الممكن توقع اتخاذ تركيا مزيدا من الإجراءات الصارمة، لكن أنقرة لن تذهب إلى حد انسحاب القوات الأمريكية من القواعد التركية، لأن ذلك يعني ببساطة انسحاب تركيا من حلف الناتو”.

كما يرى المحلل السياسي التركي لـ “أرغومنتي إي فاكتي”، كريم هاس، أن “اعتماد هذا القرار لا يأتي فقط نتيجة لتدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإنما لنقاط الضعف في القيادة التركية الحالية، فرد فعل أنقرة مقيّد للغاية، لم يتخط مرحلة الخطابة، بينما كان رد فعل أنقرة على حديث الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، عن إدانته للأحداث المأساوية مطلع القرن العشرين هو استدعاء السفير التركي”.

الآن، وفقا لما يراه المحلل السياسي التركي، لدى القيادة التركية مواقف ضعيفة للغاية، ويكفي استدعاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتقال قس أمريكي، والتي أضرت بالاقتصاد التركي.

بالإضافة لذلك، سيفقد الحزب الحاكم في تركيا الدعم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت التحقيقات مستمرة حول تجاوز المصارف التركية العقوبات الأمريكية ضد إيران، وذلك إلى جانب ما يعاني منه أردوغان شخصيا من اعتقال رجل الأعمال التركي، رضا زراب، المقرب من عائلة الزعيم التركي، والإفراج عنه بموجب صفقة مع جهات التحقيق، مقابل أن يظل مجهول الهوية. ويتابع المحلل السياسي التركي أن رد فعل أردوغان المقيّد على قرار الكونغرس ربما يعود لذلك أيضا”.

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة